أعني: اللحم (إذ لو ذكر اللحم لربما توهّم قبل ذكرِ ما بعده) أي: ما بعد اللحم يعني: ½إلى العظم¼ (أنّ الحزّ لم ينتهِ إلى العظم) وإنّما كان في بعض اللحم فحذف دفعاً لهذا التوهّم[1] (وإمّا لأنه أريد ذكره) أي: ذكر المفعول (ثانياً على وجهٍ يتضمّن إيقاعَ الفعل على صريح لفظه) لا على الضمير العائد إليه[2] (إظهاراً لكمال العناية بوقوعه) أي: الفعل (عليه) أي: على المفعول حتّى كأنه لا يرضى أن يوقعه على ضميره وإن كان كناية عنه (كقوله: قَدْ طَلَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ لَكَ فِي السُؤْدَ * دِ وَالْمَجْدِ وَالْمَكَارِمِ مِثْلاً) أي: ½قد طلبنا لك مثلاً¼ فحَذَف ½مثلاً¼ إذ لو ذكره لكان المناسب: ½فلَمْ نَجِدْه¼[3] فيفوت الغرض أعني إيقاعَ عدَم الوجدان على صريح لفظ المثل (ويجوز أن يكون السبب) في حذف مفعول ½طَلَبْنَا¼ (تركَ مواجَهة الممدوح بطلب مثلٍ له) قصداً[4] إلى المبالغة في التأدّب معه حتّى كأنه لا يجوِّز وجود
[1] قوله: [فحذف دفعاً لهذا التوهّم] فيه أنّ دفع التوهّم ابتداءً لا يتوقّف على حذف المفعول لجواز حصوله بذكره أيضاً مؤخَّراً عن قوله ½إلى العظم¼, وجوابه أنّه لا يجب في النكتة الاطّرادُ والانعكاسُ فحصولها مع شيء لا ينافي حصولَها مع شيء آخر. أقول عضّ هذا الجواب بالنواجذ فإنه يريحك في كثير من المواضع من ألم الاضطرار.
[2] قوله: [لا على الضمير العائد إليه] أي: فلو ذكر المفعول أوّلاً لذكر ثانياً بالإضمار فيقع الفعل ثانياً على الضمير العائد إليه وهو خلاف المقصود إذ الغرض إيقاع الفعل على صريح لفظه, وإن حفظت ما وصّيتك به لا تقول إنّه لا يتوقّف إيقاع الفعل على صريح لفظ المفعول ثانياً على حذفه أوّلاً لجواز وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة. قوله ½حتّى كأنّه¼ ½كأنّ¼ هنا للتحقيق أي: حتّى لا يرضى المتكلِّم تحقيقاً بوقوع الفعل على ضمير المفعول.
[3] قوله: [½فلم نجده¼] أي: نظراً إلى الكثير الشائع في المفعول وهو عدم الإظهار موضع الإضمار ودفعاً لإيهام تعدّد المثل على تقدير قوله ½فلم نجد مثلاً¼ لأنه نكرة أعيدت نكرة وهو ظاهر في إفادة التغاير فيكون المعنى قد طلبنا فلم نجد لك مثلاً آخر مغائراً للمطلوب وإنما وجدنا المطلوب وهو فاسد.
[4] قوله: [قصداً إلخ] علّة للترك أي: إنما ترك الشاعر مواجهة الممدوح بطلب مثل له لقصده المبالغة في التأدّب معه تعظيماً له. قوله ½حتّى كأنّه لا يجوِّز إلخ¼ أي: ولو قال ½طلبنا لك مثلاً¼ لكان ذلك مُشعراً بتجويز وجود المثل. قوله ½لا يطلب إلاّ ما يجوز وجوده¼ المراد هنا بالطلب الطلب بالفعل وهو الحبّ القلبيّ المقرون بالسعي فلا يرد بالتمنّي المتعلِّق بالمحال فإنه عبارة عن مجرّد حبّ القلب.