كلاًّ من الفصاحة والبلاغة أوّلاً لتعذّر جمع المعاني المختلفة الغير المشتركة في أمرٍ يعمّها في تعريف واحد، وهذا[1] كما قسّم ابن الحاجب المستثنى إلى متّصل ومنقطع ثمّ عرّف كلاًّ منهما على حِدَة (فالفصاحة في المفرد) قدّم الفصاحة[2] على البلاغة لتوقّف معرفة البلاغة على معرفة الفصاحة لكونها مأخوذة في تعريفها، ثم قدّم[3] فصاحة المفرد على فصاحة الكلام والمتكلم لتوقّفهما عليها (خلوصه) أي: خلوص المفرد (من تنافر الحروف والغرابة ومخالَفة القِياس) اللغَويّ أي: المستنبط[4] من استقراء اللغة، وتفسير الفصاحة بالخلوص لا يخلو عن تسامح[5] (فالتنافر) وصف في الكلمة يوجِب ثقلَها على اللسان
[1] قوله: [وهذا إلخ] أي: تقسيم الماتن أوّلاً ثمّ التعريف ثانياً كتقسيم ابن الحاجب المستثنى إلى متصل ومنقطع ثم تعريفه كلاًّ منهما على حدة لكونهما غير مشتركين في أمر يعمّهما ويصلح تعريفاً لهما.
[2] قوله: [قدّم الفصاحة إلخ] أي: قدّم تعريف أقسام الفصاحة على تعريف قسمي البلاغة. قوله ½لتوقّف¼ تعليل لتقديم الفصاحة على البلاغة. قوله ½لكونها إلخ¼ تعليل لتوقّف معرفة البلاغة على معرفة الفصاحة.
[3] قوله: [ثمّ قدّم إلخ] أي: قدّم تعريف فصاحة المفرد على تعريف فصاحة إلخ. قوله ½لتوقّفهما¼ أي: لتوقّف معرفة فصاحة الكلام والمتكلّم على معرفة فصاحة المفرد لكونهما مأخوذتين في تعريفها.
[4] قوله: [أي: المستنبط إلخ] إشارة إلى أنْ ليس المراد بالقياس اللغَويّ إلحاقَ شيء بشيء بجامع بينهما كإلحاق النبيذ بالخمر في التحريم بجامع الإسكار بل المراد به القياس الذي منشؤه تتبّع الكلمات اللغَويّة وهو القياس الصرفيّ كقولنا ½الياء المتحرّكة المفتوح ما قبلها تنقلب ياء¼.
[5] قوله: [لا يخلو عن تسامح] لأنّ فصاحة المفرد كونُه جارياً على القانون الصرفيّ متناسبَ الحروف كثيرَ الاستعمال, وليس الخلوص نفسَ هذا الكون ولا صادقاً عليه بل هو لازمه فتفسيرها به من تفسير الشيء باللازم, وأيضاً الفصاحة وجوديّة لأن معناها الكون المذكور والخلوص عدميّ لأن معناه عدم الأمور المذكورة فلا يصحّ حمله عليها, ويجاب بأنّ الأدَباء يجوّزون تفسير الشيء بمبائنه إذا كان بينهما تلازم قصداً للمبالغة وادّعاء أنّه هو, وأيضاً الخلوص مؤول بالكون خالصاً وهو أمر وجوديّ فصحّ حمله عليها.