إشكال, فإن قلتَ[1]: قد صرّح ابن الحاجب بأنّ بَلْ في المُثبَت مطلقاً وفي المنفيّ على مذهب المبرّد لا تقع في كلام فصيح فكان الأولى تركه كبدل الغلط, قلتُ: هذا معارض[2] بما ذكره بعض المحقِّقين من النحاة أنّ بدل الغلط مع بَلْ فصيح مطّرد في كلامهم لأنها موضوعة لتدارك مثل هذا الغلط (أو الشكِّ) من المتكلّم[3] (أو التشكيكِ) أي: إيقاع المتكلّم السّامع في الشكّ (نحو: جاءني زيد أو عمرو ) أو للإبهام[4] نحو: ﴿ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى
[1] قوله: [فإن قلتَ إلخ] إشارةٌ إلى الاعتراض على المتن في إيراد بحث بَلْ, وحاصله أنه قد صرّح العلاّمة ابن الحاجب في شرح "المفصَّل" بأنّ بَلْ في الكلام المُثبَت مطلقاً أي: عند الكلّ, وفي الكلام المنفيّ على مذهب المبرّد لا تقع في كلام فصيح؛ فإنّ الكلّ متّفقون على أنّ بَلْ في المُثبَت لصرف الحكم عن المتبوع إلى التابع, وكذا في المنفيّ عند المبرّد لصرف النفي عن المتبوع إلى التابع, فيكون التلفّظ بلفظ المتبوع على كلا التقديرَين من باب الغلط والمقصود نسبة الحكم إلى التابع, فكما أنّ المصـ ترك بدل الغلط لأجل عدم وقوعه في الكلام الفصيح كذلك كان الأولى ترك بحث بَلْ لذلك.
[2] قوله: [قلتُ: هذا معارض إلخ] حاصل الجواب أنّ ما ذكره ابن الحاجب من أنّ بَلْ لا تقع في كلام فصيح في المثبت مطلقاً وفي المنفيّ على مذهب الجمهور معارض بما ذكره بعض المحقِّقين من النحاة وهو الشارح الرضي من أنّ بدل الغلط مع بَلْ فصيح مطّرد في كلامهم لأنّ بَلْ موضوعة لتدارك مثل هذا الغلط, وكيف يكون استعمال اللفظ فيما وضع له منافياً للفصاحة!
[3] قوله: [من المتكلِّم] في المسند إليه هل هو المتبوع أو التابع. قوله أي: إيقاع إلخ تفسير اللفظ وإشارة إلى فاعل التشكيك ومفعوله. قوله في الشكّ أي: في المسند إليه هل هو المتبوع أو التابع. قال: جاءني زيد أو عمرو صالح للشكّ والتشكيك, فإن كان المتكلِّم شاكًّا في المسند إليه فالمثال للشكّ, وإن لم يكن شاكًّا بل مقصوده إخفاء المسند إليه على السامع لغرض من الأغراض فالمثال للتشكيك.
[4] قوله: [أو للإبهام إلخ] بيانٌ لمزيد النِكات للعطف, والمراد بالإبهام ترك التعيّن لداعٍ وهو في الآية ترك التصريح بنسبة الضلال إلى المخاطَبين لئلاّ يزيد غضبهم, ولا شكّ ولا تشكيك هنا في أصل الحكم.