عنوان الكتاب: المطول مع حاشية المؤول

نزلت أوّلاً بمكّة فعرفوا منها[1] ناراً موصوفة بهذه الصفة ثُمّ جاءت في سورة البقرة مشاراً بها إلى ما عرفوه أوّلاً, قلنا[2]: يمكن أن يقال الوصف يجب أن يكون معلوم التحقّق عند المخاطَب, والخطاب في سورة التحريم للمؤمنين وهم قد علموا ذلك بسَماع من النبيّ عليه الصّلوة والسّلام, والمشركون لمّا سمعوا الآية علموا ذلك فخوطبوا في سورة البقرة (وأمّا توكيده فللتقرير) أي: تقرير المسند إليه[3] أي: تحقيق مفهومِه ومدلولِه أعني جعله مستقرًّا[4] محقَّقاً ثابتاً بحيث لا يظنّ به غيره نحو: جاءني زيد زيد إذا ظنّ المتكلّمُ غفلة


 



[1] قوله: [فعرفوا منها] أي: فعرف المشركون من آية التحريم. قوله بهذه الصفة أي: بصفة كون وقودها الناس والحجارة. قوله ثمّ جاءت إلخ أي: ثمّ جاءت النار في آية البقرة مُعرَّفةً بلام العهد مشاراً بها إلى نار عرفوها أوّلاً من آية التحريم, فاللام فيها كاللام في قوله تعالى: ﴿فَعَصَىٰ فِرۡعَوۡنُ ٱلرَّسُولَ﴾ [المزمل:١٦].

[2] قوله: [قلنا إلخ] جوابٌ عن الاعتراض, وحاصله أنه لا دلالة لكلام "الكشّاف" على ما فهمه المعترض لأنّ كلامه إنّما يدلّ على أنّ المشركين عرفوا النار الموصوفة بالصفة المذكورة من آية التحريم ولم يعرفوها قبلها فجيء بها فيها نكرةً ولمّا عرفوها جيء بها في آية البقرة معرفةً, ولا يلزم من هذا أنّ المخاطَبين في آية التحريم أعني المؤمنين لم يعرفوها قبلها بل هم قد علموها بسَماع من النبيّ عليه الصلاة والسلام, واللازم في الصفة علمُ المخاطَب بها قبل ذكرها لا علمُ السامع بها قبل سَماعها.

[3] قوله: [أي: تقرير المسند إليه] إشارةٌ إلى أنّ المراد بالتقرير تقرير المسند إليه, وفيه ردٌّ على العلاّمة كما سيجيء. قوله أي: تحقيق مفهومِه إشارةٌ إلى أنّ الكلام بعد تقدير لفظ المسند إليه مبنيّ على حذف المضاف. قوله ومدلولِه عطفه على مفهومِه إمّا تفسيريّ إن كان معناهما متّحداً, أو عطف العامّ على الخاصّ إن أريد بالمفهوم المعنى الحقيقيّ وبالمدلول أعمّ من الحقيقيّ والمجازيّ, وفائدته حينئذ الإشارة إلى أنْ ليس المراد بتقرير مفهومه تقرير معناه الحقيقيّ فقط كما يتبادر إلى الفهم من لفظ المفهوم بل المراد تقرير ما يدلّ عليه المسند إليه وإن كان معنى مجازيًّا كما في رمى الأسد بنفسه.

[4] قوله: [أعني جعله مستقرًّا إلخ] في هذه العناية إشارةٌ إلى أنْ ليس المراد بتحقيق المسند إليه تحقيقه في نفسه بإزالة الخَفاء عنه كما يكون في عطف البيان بل تحقيقه في ذهن السامع بإزالة احتمال الغير عنه لئلاّ يظنّ أنّ المراد بالمسند إليه غيره. قوله إذا ظنّ إلخ أي: يقول المتكلِّم هذا إذا ظنّ غفلةَ السامع عن سَماعه لفظَ المسند إليه لشاغل شغل سمعَه. قوله أو عن حمله إلخ أي: أو إذا ظنّ المتكلِّم غفلةَ السامع عن حمله لفظَ المسند إليه على معناه لشاغل شغل فهمه.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

400