المقدّمة إلى انحصار المقصود في الفنون الثلاثة صار كلّ منها معهوداً فعرّفه بخلاف المقدّمة فإنه لم يقع منه ذكر لها ولا إشارة إليها فلم يكن لتعريفها معنى فنكّرها وقال (مقدِّمة) أي: هذه مقدِّمة[1] في بيان معنى الفصاحة والبلاغة وانحصارِ علم البلاغة في علمَي المعاني والبيان وما يتّصل بذلك ممّا ينساق إليه الكلام, ومحصولها[2] أن يُعرَف على التحقيق والتفصيل غايةُ العلوم الثلاثة ووجهُ الاحتياج إليها, والمقدّمة[3] مأخوذة من مقدّمة الجيش للجماعة المتقدّمة منها من قدّم بمعنى تقدّم , يقال مقدّمة العلم لما يتوقّف[4]
[1] قوله: [أي: هذه] إشارة إلى أنّ مقدِّمة رفع على الخبريّة عن المبتدأ المحذوف. قوله في بيانِ إلخ إشارة إلى مشمَلات المقدِّمة. قوله وما يتّصل بذلك أي: وبيانِ أمور تتّصل بمعنى الفصاحة والبلاغة كالنسبةِ بينهما وكونِهما صفةً للفظ والنسبةِ بين مقتضَى الحال والاعتبار المناسب وبيانِ مرجع البلاغة.
[2] قوله: [ومحصولها إلخ] أي: وما يحصل من المقدِّمة المذكورة هنا هو معرفةُ غاية العلوم الثلاثة من المعاني والبيان والبديع على سبيل التحقيق والتفصيل فينتفع بهذه المقدِّمة في المقصود ومعرفةُ وجه الاحتياج إلى هذه العلوم فيرتبط المقصود بها, فالمقدِّمة المذكورة ههنا هي مقدِّمة الكتاب إذ هي طائفة من كلام قدّم أمام المقصود لارتباطٍ له بها وانتفاعٍ بها فيه.
[3] قوله: [والمقدِّمة إلخ] أي: والمقدِّمة التي تطلق على المعنيين الآتيين مأخوذة من مقدِّمة الجيش بالقطع عن الإضافة, واعلم أنّ من عادة العرب القديمة أنهم يقسِّمون جيوشهم على خمسة جماعات الأولى مقدِّمة الجيش وهي الجماعة المتقدِّمة, والثانية ساقة الجيش وهي المتأخِّرة, والثالثة ميمنة الجيش وهي الواقعة في اليمين, والرابعة ميسرة الجيش وهي الواقعة في اليسار, والخامسة قلب الجيش وهي الجماعة العظمى وفيها أمير الجيش. قوله منها أي: من الجيش. قوله من قدّم إلخ إشارة إلى أنّ المقدِّمة بالكسر على لفظ اسم الفاعل لأنها مشتقّة من قدّم اللازم.
[4] قوله: [لما يتوقّف إلخ] أي: المقدِّمة إذا أضيفت إلى العلم تطلق على ما يتوقّف عليه مسائل العلم شروعاً كما يطلق مقدِّمةُ الدليل على ما يتوقّف عليه صحّته ومقدِّمةُ القياس على ما هو جزء منه. قوله كمعرفة حدّه إلخ أي: كإدراك رسمِ العلم وغايـتِه وموضوعِه, وهذا التمثيل مبنيّ على رأي القوم فإنهم جعلوا هذه الأمور الثلاثة مقدِّمة العلم بالمعنى المذكور أي: بمعنى ما يتوقّف عليه الشروع في مسائل العلم, ومقدِّمة الشروع عند الشارح هو التصوّر بوجه مّا والتصديق بفائدة مّا.