قدره ما لا يخفى, ومثله قوله[1]: أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفُوْسِ حِمَامَهَا, أراد نفسه, وقد يُقصَد به[2] التحقير أيضاً نحو: هذا الكلام ذكره بعض الناس , والتقليل[3] نحو: كفى هذا الأمرَ بعضُ اهتمامه (وأمّا وصفه) أي: وصف المسند إليه, أخّر المصنّف[4] ذكر التوابع وضمير الفصل عن التنكير جرياً على ما هو المناسب من ذكر التنكير بعقب التعريف, وقدّمها السكّاكي على التنكير نظراً إلى أنّ ضميرَ الفصل وكثيراً من اعتبارات التوابع إنّما يكون مع تعريف المسند إليه[5] دون تنكيره,
[1] قوله: [ومثله قوله إلخ] أي: ومثلُ هذا القول قولُ الشاعر في كون لفظ البعض فيه مفيداً للتعظيم: تَرَّاكُ أَمْكِنَةٍ إِذَا لَمْ أَرْضَهَا * أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضُ النُّفُوْسِ حِمَامَهَا, تَرَّاكُ صيغة مبالغة وهو خبر أَنَّ في البيت السابق, ويَرْتَبِطْ عطف على أَرْضَهَا, والحِمام الموت وضميره للبعض وتأنيثه لأخذ لفظ البعض التأنيثَ من المضاف إليه, والشاهد في قوله بَعْضُ النُّفُوْسِ حيث دلّ على التعظيم لأنّ الشاعر أراد به نفسَه وهو في معرض الافتخار يقول: إنّي كثير الترك للأمكنة والبلدان وكثير الارتحال منها إذا انتفى رِضائي بها وارتباطي بالموت وإذا تحقّق أحدهما لم يتحقّق الترك.
[2] قوله: [وقد يُقصَد به إلخ] أي: وقد يُقصَد بلفظ البعض التحقير أيضاً كما يُقصَد به التعظيم نحو هذا الكلام ذكره بعض الناس أي: البعض الذي لا يعتدّ به فلا اعتداد بهذا الكلام.
[3] قوله: [والتقليل إلخ] أي: وقد يُقصَد بلفظ البعض التقليل أيضاً نحو كفى هذا الأمرَ بعضُ اهتمامه أي: هذا الأمر لقلّته يكفيه قليل اهتمامه ولا حاجة فيه إلى همّة عظيمة.
[4] قوله: [أخَّر المصنِّف إلخ] إشارةٌ إلى الخلاف بين المصـ والسكّاكيّ في تأخير التوابعِ وضميرِ الفصل عن التنكير وتقديمها عليه بأن أخّرها عنه المصـ وقدّمها عليه السكّاكي, وإشارةٌ إلى أنّ لكلّ وجهةً, والحاصل أنّ المصـ قد جَرَى على ما هو المناسب من وجهٍ وهو أن يُذكَر التنكير بعقب التعريف لوجود علاقة التقابل بينهما فذَكَر التنكير بعقبه وأخّر عنه ذكر التوابع وضمير الفصل, وأمّا السكّاكيّ فأيضاً قد نَظَر إلى ما هو المناسب من وجه وهو أن يُذكَر ضمير الفصل والتوابع بعقب التعريف لأنّ ضميرَ الفصل وكثيراً من اعتبارات التوابع إنّما يتحقّق مع تعريف المسند إليه فذكرها بعقب التعريف وأخَّر عنها التنكير.
[5] قوله: [إنّما يكون مع تعريف المسند إليه] كون ضمير الفصل مع تعريف المسند إليه لا غير هو مذهب الجمهور وإن أجاز الفرّاء وهشام ومَن تبعهما من الكوفيّين تبعيّتَه للمسند إليه المنكَّر, والمراد بكثير من اعتبارات التوابع كونُ الوصف للمدح أو الذمّ أو الترحّم فإنه لا يكون إلاّ عند التعيّن, والتأكيدُ بـكلّ وأجمع فإنّ المسند إليه المنكَّر لا يؤكَّد بهما إلاّ عند الكوفيّين بشرط أن يكون محدوداً, وعطفُ البيان فإنه لا يكون إلاّ في المعارف على ما قاله بعضهم.