وذكر[1] في قوله تعالى: ﴿أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ قَوۡمِ هُودٖ﴾ [هود:٦٠] أنه عطف بيان لعادٍ, وفائدته[2] وإن كان البيان حاصلاً بدونه أن يوسموا بهذه الدعوة وسماً وتُجعَل فيهم أمراً محقّقاً لا شبهة فيه بوجهٍ من الوجوه, وممّا يدلّ على أنّ عطف البيان لا يلزم ألبتّة أن يكون اسماً مختصًّا بمتبوعه ما ذكروا في قوله: وَالْمُؤمِنِ[3] الْعَائِذَاتِ الطَّيْرِ * يَمْسَحُهَا رُكْبَانُ مَكَّةَ بَيْنَ الْغَيْلِ وَالسَّنَدِ, أنّ الطير عطف بيان, وكذا كلّ صفة أجري[4] عليها الموصوف نحو:
[1] قوله: [وذكر إلخ] دليل آخر لعدم الانحصار أي: وذكر صاحب "الكشّاف" أنّ قوم هود عطف بيان لـعاد. قوله وفائدته إلخ جواب لما يقال: ما الفائدة فيه مع أنّ البيان حاصل بدونه لأنّ عاداً مختصّ بقوم هود فلا إبهام فيه, وحاصل ما أجابه أنا لا نُسلِّم أنه مختصّ بهم لأنّ عاداً عادان: عادٌ الأولى وهي إرم قوم هود على نبيِّنا وعليه الصلاة والسلام, وعادٌ الأخيرةُ وهي ثمود قوم صالح على نبيِّنا وعليه الصلاة والسلام, ففائدته الإيضاحُ ورفعُ الإبهام, ولم يذكره الشارح لأنه بصدد بيان فائدة غير الإيضاح.
[2] قوله: [وفائدته إلخ] أي: وفائدة عطف البيان على تقدير أنّ عاداً اسم مختصّ بهم أن يوسموا إلخ يعني أنّ عطف البيان يَجْعَل هذه الدعوةَ أي: الدعاءَ بالهلاك بقوله تعالى: ﴿أَلَا بُعۡدٗا لِّعَادٖ﴾ سِمَةً وعلامةً لهم بحيث لا يتوهّم كونها في حقّ غيرهم حتّى أنه لو فرض إبهام بزعم اشتراك عاد بينهم وبين غيرهم أو بجواز إطلاق اسمهم على غيرهم لمشاركة غيرهم إيّاهم فيما اشتهروا به من فرط العتوّ والعناد كثمود لاندفع ذلك بعطف البيان هذا, فعطف البيان هنا لدفع الإبهام التقديريّ اعتناءً بالمقصود وحفظاً له عن شائبة توهّم غيره فصارت الدعوة فيهم بسبب عطف البيان أمراً محقَّقاً لا شبهة فيه بوجهٍ من الوجوه.
[3] قوله: [وَالْمُؤمِنِ إلخ] الواو للقسم, والمؤمن من أسماء الله تعالى, والعائذات المُلتجِيات, والطير عطف بيان للعائذات وليس مختصًّا به, وهذا هو موضع الاستشهاد, والغَيل والسَنَد موضعان في جانب الحرم, وإضافة الركبان إلى مكّة لأدنى ملابسة وهي كونهم زوّارها, ومعنى البيت: واللهِ الذي آمن الطير الملتجِيات إلى الحرم والساكنات به من الاصطياد تمسحها ركبان مكّة ولا تتعرّض لها, وجواب القسم في البيت الثاني وهو: مَا إِنْ أَتَيْتُ بِشَيْءٍ أَنْتَ تَكْرَهُهُ.
[4] قوله: [وكذا كلّ صفة أجري إلخ] أي: وكما أنّ الموصوف الطير في العائذات الطير جعل عطف بيان للصفة العائذات كذلك كلّ موصوف أجري على الصفة الأحسن فيه أن يُجعَل عطف بيان للصفة لوجهَين أشار إلى الأوّل بقوله لما فيه من إيضاح الصفة المُبهَمة فإنّ الفاضل الكامل مثلاً صفة مبهمة تصلح للصدق على أفراد كثيرة وفي زيد مثلاً إيضاحٌ لتلك الصفة المبهمة وتعيينٌ لمصداقها, وظاهر أنّ الإيضاح من شأن عطف البيان دون البدل, وأشار إلى الثاني بقوله وفيه إشعارٌ إلخ وسيجيء بيانه.