وأخذ الله عهدها وشهادتها بالربوبية وهي مخلوقة مصورة عاقلة قبل أن تؤمر بالملائكة بالسجود لآدم وقبل أن يدخلها في الأجساد والأجساد يومئذ تراب وماء ثم أقرها حيث شاء وهو البرزخ الذي ترجع إليه عند الموت ثم لا يزال يبعث منها الجملة بعد الجملة فينفخها في الأجساد المتولدة من المني.
قال فصح أن الأرواح أجسام حاملة لأعراضها من التعارف والتناكر وأنها عارفة مميزة فيبلوها الله في الدنيا كما يشاء ثم يتوفاها فترجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى سماء الدنيا أرواح أهل السعادة عن يمين آدم وأرواح أهل الشقاوة عن يساره عند منقطع عناصر الماء والهواء والتراب والنار تحت السماء.
ولا يدل ذلك على تعادلهم بل هؤلاء عن يمينه في العلو والسعة وهؤلاء عن يساره في السفل والسجن وتجعل أرواح الأنبياء والشهداء إلى الجنة قال وقد ذكر محمد بن نصر المروزي عن إسحاق بن راهويه أنه ذكر هذا الذي قلنا بعينه وقال على هذا أجمع أهل العلم.
قال إبن حزم وهو قول جميع أئمة الإسلام وهو قول الله تعالى {فَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشَۡٔمَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشَۡٔمَةِ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ}[1] وقوله {فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ} آخرها فلا تزال الأرواح هناك حتى يتم عددها بنفخها في الأجساد ثم برجوعها إلى البرزخ فتقوم الساعة فيعيدها عز وجل إلى الأجساد وهي الحياة الثانية هذا كله كلام إبن حزم.
وقيل هي على أفنية قبورها قال إبن عبد البر وهذا أصح ما قيل قال وأحاديث السؤال وعرض المقعد وعذاب القبر ونعيمه وزيارة القبور والسلام عليها وخطابهم مخاطبة الحاضر العاقل دالة على ذلك.