عنوان الكتاب: عين الدموع

مَسجِدِه فرَأيْتُه يُصلِّي بالغَداةِ ثم يَجْلِسُ للنّاسِ في العِلْمِ إلى أنْ يُصلِّيَ الظُّهْرَ ثم يَجْلِسُ إلى العَصْرِ فإذا صلّى العَصْرَ جلَسَ إلى المغرِبِ فإذا صلّى المغرِبَ جلَسَ إلى أنْ يُصلِّيَ العِشاءَ فقلتُ في نفْسِي: هذا الرجُلُ في هذا الشُّغْلِ متَى يَتفَرّغُ للعِبادةِ! لَأَتَعاهَدَنّهُ، فلمّا هدَأَ النّاسُ خرَجَ إلى الْمَسجدِ فانتَصَبَ للصّلاةِ إلى أنْ طلَعَ الفَجْرُ ودخَلَ مَنزِلَه ولَبِسَ ثِيابَه وخرَجَ إلى الْمَسجدِ وصلّى الغَداةَ فجلَسَ للنّاسِ إلى الظُّهْرِ ثم إلى العَصْرِ ثم إلى المَغربِ ثم إلى العِشاءِ فقلتُ في نفْسِي: إنّ الرجُلَ قد يَنْشَطُ اللَّيْلةَ لَأتَعاهَدَنّه اللَّيْلةَ, فتَعاهَدتُه فلمّا هدَأَ النّاسُ خرَجَ فانتَصَبَ للصّلاةِ ففعَلَ كَفِعْله في لَيلَتِه الأُولَى, فلمّا أصْبحَ خرَجَ إلى الصّلاةِ وفعَلَ كَفِعْله في يَوْمَيه حتّى إذا صلّى العِشاءَ قلتُ في نفْسِي: إنّ الرّجُلَ قد يَنْشَطُ اللَّيْلةَ واللَّيلتَيْنِ لَأتَعاهَدَنّه اللَّيْلةَ، ففعَلَ كَفِعْله في لَيْلَتَيه،

فلمّا أصْبحَ جلَسَ كذلك, فقلتُ في نفْسِي: لَألْزَمَنّه إلى أنْ يَمُوتَ أو أَمُوتَ, قال: فلازَمْتُه في مَسجدِه, فما رأَيْتُه بالنّهارِ مُفطِرًا ولا باللَّيلِ نائمًا وكان يَخْفِقُ قبْلَ الظُّهْرِ خَفْقَةً, قال ابنُ أَبي مُعاذٍ: فبلَغَنِي أنّ مِسْعرًا ماتَ في مَسجِدِ أبي حنيفةَ في سُجودِه[1]،


 



[1] ذكره الموفق في "مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة", ١/٢٣٠-٢٣١, ملتقطا.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

38