المعنى (بآخَرَ منها) أي: بطريق آخَر من الطرق الثلاثة بشرط أن يكون التعبير الثاني على خلاف ما يقتضيه الظاهرُ[1] ويترقّبه السامعُ ولا بدّ من هذا القيد[2] ليخرج مثل قولِنا: ½أنا زيد¼ و½أنت عمرو¼ و½نَحْنُ اللَذُوْنَ صَبَّحُوا الصَبَاحَا¼، وقولِه تعالى: ﴿وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾ و﴿ٱهۡدِنَا﴾ و﴿أَنۡعَمۡتَ﴾ فإنّ الالتفات إنما هو في ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾[3] والباقي جارٍ على أسلوبه، ومَن زعم أنّ في مثل ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾ [البقرة:١٠٤] التفاتاً[4] والقياس ½آمنتم¼ فقد سَهَا على ما يشهد به كتب النحو[5] (وهذا) أي: الالتفات بتفسير الجُمهور (أخصُّ منه) بتفسير
[1] قوله: [على خلاف ما يقتضيه الظاهر] أي: ظاهر الكلام ولو كان موافقاً لظاهر المقام كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ﴾ [عبس:٣] فإنه خطاب موافق لظاهر مقام الخطاب لكنه مخالف لظاهر الكلام لأنه عبّر عنه أوّلاً بالغيبة في قوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ (1) أَن جَآءَهُ ٱلۡأَعۡمَىٰ﴾ [عبس:١-٢]. قوله ½ويترقّبه السامع¼ أي: ينتظره, عطف على قوله ½يقتضيه¼ من عطف اللازم على الملزوم.
[2] قوله: [ولا بدّ من هذا القيد] أي: الذي ذكره بقوله ½بشرط أن يكون إلخ¼, وإنما تركه المصـ لفهمه من المقام لأنّ كلامه في إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر. قوله ½ليخرج مثل قولنا إلخ¼ فإنه يصدق على كلّ من ½أنا زيد¼ و½أنت عمرو¼ و½نحن اللذون إلخ¼ أنه قد عبِّر فيه عن معنى وهو الذات بطريق الغيبة بعد التعبير عنه بطريق آخر وهو التكلّم والخطاب إلاّ أنّ التعبير الثاني ليس على خلاف ما يقتضيه الظاهر لأنّ المتكلِّم إذا قال ½أنا¼ فمقتضى الظاهر أن يأتي بعده باسم ظاهر خبراً عنه, فلو لا هذا الشرط لحكم بأنّ هذا التفات, ثمّ قوله ½اللذون¼ على لغة طئ وهذيل.
[3] قوله: [إنما هو في ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾] لأنّ الانتقال من الغيبة إلى الخطاب إنما هو فيه وأمّا كلّ واحد من الباقي فجار على طريقة ½إيّاك نعبد¼ فليس على خلاف مقتضى الظاهر.
[4] قوله: [التفاتاً] أي: بناء على أنّ ½الذين¼ هو المنادى فهو مخاطب فمقتضاه أن يقال ½آمنتم¼.
[5] قوله: [على ما يشهد به كتب النحو] وذلك لأنّ حقّ العائد إلى الموصول أن يكون بلفظ الغيبة كما أنّ حقّ الكلام بعد تمام المنادى أن يكون بطريق الخطاب ولا يتمّ المنادى الموصول إلاّ بصلته لأنها كجزء منه فلا يراع فيه حكم الخطاب العارض بالنداء إلاّ بعد تمامه بالصلة.