لا بدّ من أن يقال: لمّا غُلِّب صار الجميع بمنزلة غير المرتابين فصار الشرط قطعيَّ الانتفاء فاستُعمِل فيه ½إنْ¼ على سبيل الفرضِ والتقديرِ[1] للتبكيت والإلزام كقوله تعالى: ﴿فَإِنۡ ءَامَنُواْ [2] بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْ﴾ [البقرة:١٣٧]، و﴿قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ﴾ [الزخرف:٨١]، (والتغليب) باب واسع (يجري في فنون كثيرة[3] كقوله تعالى: ﴿وَكَانَتۡ مِنَ ٱلۡقَٰنِتِينَ﴾ [التحريم:١٢]) غلِّب الذَكر على الأنثى بأن أجري الصفة المشتركة بينهما على طريقة إجرائها على الذكور خاصّةً[4] فإنّ القنوت ممّا يوصف به الذكور والإناث لكنّ لفظ ½قانتين¼ إنّما يجري على الذكور فقط[5] (و) نحو (قوله تعالى: ﴿بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ تَجۡهَلُونَ﴾ [النمل:٥٥]) غلِّب جانب المعنى على جانب اللفظ لأنّ القياس ½يجهلون¼ بياء الغَيبة لأنّ الضمير عائد إلى ½قوم¼ ولفظه لفظ الغائب لكونه اسماً مظهراً لكنه في المعنى عبارة عن المخاطَبين..............................................
[1] قوله: [على سبيل الفرضِ والتقديرِ] أي: بأن نزّل الريب المقطوع بعدمه منزلة المشكوك فيه ففيه تنزيلان الأوّل تنزيل المرتابين منزلة غير المرتابين بسبب التغليب والثاني تنزيل الريب المقطوع بعدمه منزلة المشكوك فاستعمل فيه ½إنْ¼ وهذا للتبكيت أي: لإسكات الخصم وإلزامه بما لا يقول به.
[2] قوله: [فإن آمنوا] الآية أي: فإنْ آمن الذين على غير دينكم بمثل دينكم, ولا شكّ أنّ وجود دين غيره حقًّا محال فنزّل قطعيّ الانتفاء منزلة المشكوك واستعمل فيه ½إنْ¼ للتبكيت, وكذا قوله تعالى: ﴿قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ﴾ كما مرّ.
[3] قال: [في فنون كثيرة] أي: في تراكيب متعدِّدة ولا يختصّ باستعمال ½إنْ¼ على خلاف الأصل.
[4] قوله: [على طريقة إجرائها على الذكور خاصّة] وهي جمعها بالياء والنون أي: ذكرت صفة القنوت المشتركة بين الذكر والأنثى على هذه الطريقة مراداً بها الذكور والإناث على سبيل المجاز المرسل لعلاقة البعضيّة أو مراداً به الذوات المتّصفة بالقنوت على سبيل عموم المجاز.
[5] قوله: [إنما يجري على الذكور فقط] لأنّ صيغة الجمع بالواو أو الياء والنون خاصّة بالذكور, ونكتة هذا التغليب الإشعار بأنّ طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال حتّى عُدّت من جملتهم.