علّة العِلم بانتفاء الجزاء ما هي، ألاَ تَرى أنّ قولهم ½لَوْلاَ لامتناع الثاني لوجود الأوّل¼ نحو ½لولا عليٌّ لهَلَك عمرُ¼ معناه: أنّ وجود عليّ سبب لعدَم هلاك عمر لا أنّ وجوده دليل على أنّ عمر لم يهلك، ولهذا صحّ[1] مثلُ قولِنا: ½لو جئتَني لأكرمتك لكنك لم تجِئْ¼ أعني عدم الإكرام بسبب عدم المَجِيء، قال الحَماسيّ[2] وَلَوْ طَارَ ذُوْ حَافِرٍ قَبْلَهَا * لَطارَتْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَطِرْ، يعني: أنّ عدَم طَيَرَانِ تلك الفرسِ بسبب أنه لم يَطِر ذو حافر[3] وقال المَعَرِّيُّ: وَلَوْ دَامَتِ الدُّوْلاَتُ كَانُوْا كَغَيْرِهِمْ * رعَايَا وَلَكِنْ مَا لَهُنَّ دَوَامُ، وأمّا المنطِقيّون[4]
[1] قوله: [ولهذا صحّ إلخ] أي: ولكون معنى ½لَوْ¼ الدلالةَ على أنّ انتفاء الثاني في الخارج إنما هو بسبب انتفاء الأوّل صحّ استثناء نقيض المقدّم في ½لو جئتَني لأكرمتك لكنك لم تجئ¼ فلو كان معناها الاستدلالَ على انتفاء الثاني بانتفاء الأوّل لما صحّ ذلك للزوم الاستدلال برفع المقدّم على رفع التالي مع أنّه لا ينتج لجواز أن يكون اللازم أعمّ فلا يلزم من رفع المقدّم رفع التالي فتعيّن أن يكون ذلك الاستثناء إشارة إلى علّة انتفاء الثاني.
[2] قوله: [قال الحَماسيّ] نسبة إلى "ديوان الحَماسة" لأبي تمّام حبيب بن أوس الطائيّ جمع فيه أشعار البلغاء الذين يستشهد بكلامهم, فإذا قيل ½بيت حَماسيّ¼ فمعناه أنّه مذكور في ذلك الديوان وإذا قيل ½شاعر حَماسيّ¼ فمعناه أنّ شعره مذكور فيه, وإنما أتى بكلام الحَماسيّ دليلاً لقوله ½صحّ¼ لئلاّ يتوهّم أنّ هذا القول غير صحيح.
[3] قوله: [لم يَطِر ذو حافر] أي: فعدم طيران الفرس معلوم والغرض بيان السبب في عدم طيرانها وهو عدم طيران ذي حافر قبلها. قوله ½الدُوْلاَتُ¼ جمع دولة بمعنى الملك والمراد أهل الدولات أي: الملوك الماضية ومعنى البيت أنهم لو بقوا كانوا كغيرهم رعايا للمدوح لاستحقاقه الإمارة عليهم لما فيه من الفضائل. قوله ½وَلَكِنْ مَا لَهُنَّ دَوَامُ¼ يعني: أنّ عدم كونهم رعايا للمدوح بسبب أن ليس لهم بقاء.
[4] قوله: [وأمّا المنطِقيّون] هذا مقابل لمحذوف أي: ما ذكر من أنّ ½لَوْ¼ للدلالة على أنّ انتفاء الثاني في الخارج بسبب انتفاء الأوّل قاعدة اللغَويّين وإمّا المنطِقيّون إلخ, وثمرة الخلاف بين الطريقين تظهر في استثناء نقيض المقدّم فإنّه جائز عند أهل العربيّة دون الميزانيّين وفي استثناء عين المقدّم فإنه بالعكس وأمّا استثناء عينِ التالي ونقيضِه فالأوّل باطل والثاني جائز بالاتّفاق. قوله ½يستعملونها¼ أي: أداةَ اللزوم سواء كانت ½إنْ¼ أو ½لَوْ¼ أو غيرهما كـ½إذَا¼ و½كُلَّمَا¼. قوله ½لحصول العلم¼ أي: لاكتسابه.