من شأنه أن يُشاهَد كأنه يستحضِر بلفظ المضارع تلك الصورة ليشاهدَها السامعون، ولا يفعل ذلك[1] إلاّ في أمر يُهتَمُّ بمشاهدته لغرابة أو فظاعة أو نحو ذلك (كما قال الله تعالى: ﴿فَتُثِيرُ سَحَابٗا﴾ [فاطر:٩]) بلفظ المضارع[2] بعد قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ﴾ (استحضاراً لتلك الصورة البديعة الدالّة على القدرة الباهرة) يعني صورة إثارة السحاب مسخّراً بين السماء والأرض على الكيفيّات المخصوصة والانقلابات المتفاوتة[3] (وأمّا تنكيره) أي: المسند (فلإرادة عدَم الحصرِ والعهدِ) الدالِّ عليهما التعريفُ[4] (كقولك: ½زيد كاتب¼ و½عمرو شاعر¼ أو للتفخيم نحو: ﴿هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ﴾ [البقرة:٢]) بناءً على أنه[5] خبرُ مبتدأ محذوف أو خبرُ ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ﴾ (أو للتحقير) نحو: ½ما زيد شيئاً¼ (وأمّا تخصيصه)
[1] قوله: [ولا يفعل ذلك إلخ] أي: لا يعدل إلى لفظ المضارع للاستحضار إلاّ في إلخ. قوله ½لغرابة¼ أي: ندرة. قوله ½أو فظاعة¼ أي: قباحة. قوله ½أو نحو ذلك¼ كلطافة.
[2] قوله: [بلفظ المضارع إلخ] أشار بذلك إلى أنّ الشاهد في قوله ½تُثِيْرُ¼ حيث عبِّر بلفظ المضارع في موضع ½أَثَارَتْ¼ المناسب لقوله أوّلاً ½أَرْسَلَ¼ استحضاراً لصورة إثارة السحاب, وإنما قصد إحضار تلك الصورة العجيبة لأنّ النفس تتسارع إلى إحضار الأمر العجيب بما أمكن.
[3] قوله: [والانقلابات المتفاوتة] أي: التبدّلات المتفاوتة من كونه متّصل الأجزاء أو منقطعها, متراكماً أو غير متراكم, رقيقاً أو ثخيناً, بطيئاً أو سريعاً, بلون السواد أو البياض أو الحمرة.
[4] قوله: [الدالِّ عليهما التعريفُ] فإنه إذا أريد العهد عرِّف باللام العهديّة أو الإضافة وإذا أريد الحصر عرِّف باللام الجنسيّة فإذا أريد عدم إفادتهما نكِّر كقولك ½زيد كاتب¼ حيث يراد مجرّد الإخبار بالكتابة لا الإشارة إلى الكتابةِ المعهودة أو حصرِها في زيد.
[5] قوله: [بناءً على أنه إلخ] أي: التمثيل بالآية المذكورة لتنكير المسند للتفخيم بناءً على أنّ لفظ ½هُدًى¼ خبر مبتدأ محذوف أي: ½هو هدى¼, وإنما قال ذلك لأنه إن أعرب حالاً فهو خارج عن الباب وإن كان التنكير فيه للتفخيم أيضاً. قوله ½ما زيد شيئاً¼. أي: إنه ملحق بالمعدومات فليس شيئاً حقيراً فضلاً عن أن يكون شيئاً عظيماً, ثمّ الظاهر أنّ التحقير فيه لم يستفد من التنكير بل من نفي الشيئيّة فالأولى التمثيل بقولك: ½الحاصل لي من هذا المال شيء¼ أي: حقير.