أي: مقصورون على البشريّة ليس لكم وصفُ الرسالة التي تدّعونها، ولمّا كان هنا مَظنّةُ سؤالٍ وهو أنّ القائلين قد ادَّعَوا التنافِيَ بين البشريّة والرسالة وقَصروا المخاطَبين على البشريّة والمخاطَبون قد اعتَرفوا بكونهم مقصورين على البشريّة حيث قالوا: ﴿إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ﴾ [إبراهيم:١١] فكأنهم سلَّموا انتفاءَ الرسالة عنهم[1] أشار إلى جوابه بقوله (وقولُهم) أي: قول الرسل المخاطَبين (﴿إِن نَّحۡنُ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ﴾ من) باب (مُجارَاةِ الخَصْم[2]) وإرخاءِ العِنان إليه بتسليم بعضِ مقدّماتِه (لِيَعثُر) الخصم من العِثَار[3] وهو الزَلّة وإنّما يُفعَل ذلك (حيث يُرادُ تبكيتُه) أي: إسكاتُ الخصم وإلزامُه[4] (لا لتسليمِ انتفاءِ الرسالة) فكأنّهم قالوا: ½إنّ ما ادَّعَيتم مِن كوننا بشراً فحقٌّ لا نُنكره ولكن هذا لا ينافي أن يَمُنّ اللهُ تعالى علينا بالرسالة، فلهذا[5] أثبَتوا البشريّةَ لأنفُسهم، وأمّا إثباتها بطريق القصر فلِيَكُون على وَفْقِ كلامِ
[1] قوله: [سلَّموا انتفاء الرسالة عنهم] أي: مع أنّه ليس كذلك. قوله ½أي: الرسل المخاطَبين¼ بصيغة اسم المفعول إذ المراد بهم الرسل المخاطَبون بقول الكفّار: ½إن أنتم إلاّ بشر مثلنا¼.
[2] قال: [من مجاراة الخصم] أي: من الجري معه وعدم مخالفته في السلوك, فقول الشارح: ½وإرخاء العنان إليه¼ من عطف اللازم على الملزوم. قوله ½بتسليم إلخ¼ الباء سببيّة متعلِّقة بالمجاراة, والمراد ببعض المقدّمات التي سلّمها الرسل هنا الصغرى أي: كونهم بشراً لا الكبرى أي: عدم كونهم رسلاً.
[3] قوله: [من العِثَار] أي: لا من العثور وهو الاطّلاع. قوله ½وهو الزَلّة¼ أي: السقوط أي: لأجل أن يسقط الخصم فيرجع عمّا قال إلى الحقّ. قوله ½وإنما يفعل ذلك¼ أي: ما ذكر من مجاراة الخصم.
[4] قوله: [أي: إسكاتُ الخصم وإلزامُه] أي: بأن يرتّب على التسليم المذكور ما ينقطع به الخصم في مطلوبه إمّا بإظهار أنّ ما سلِّم لا يستلزم مطلوبَه كما هنا أو أنّه يستلزم ما يناقض مطلوبَه كما في آية ﴿قُلۡ إِن كَانَ لِلرَّحۡمَٰنِ وَلَدٞ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡعَٰبِدِينَ﴾ [الزخرف:٨١].
[5] قوله: [فلهذا إلخ] أي: فلعدم التنافي أثبتوا البشريّة لأنفسهم لا لتسليم انتفاء الرسالة عنهم. قوله ½وأمّا إثباتها إلخ¼ جواب عمّا يقال إنه يكفي في المجاراة أن يقولوا: ½نحن بشر مثلكم¼ ولا حاجة إلى طريق القصر, قوله ½على وفق إلخ¼ أي: في الصورة فإنّه أقوى في المجاراة, والحاصل أنهم لم يريدوا القصر بل أصل الإثبات على سبيل التجريد وإنما عبّروا بصيغة القصر لموافقة كلام الخصم.