النحاة امتناع مثل[1] ½سيجيء زيد راكباً¼ و½سأضرب زيداً وهو بين يدي الأمير¼ كيف وقد قال الله تعالى[2]: ﴿سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [المؤمن:٦٠]، و﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ لِيَوۡمٖ تَشۡخَصُ فِيهِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ (٤٢) مُهۡطِعِينَ﴾ [إبراهيم:٤٢-٤٣] وفي الحَماسة[3]: سَأَغْسِلُ عَنِّي الْعَارَ بِالسَّيْفِ جَالِباً * عَلَيَّ قَضَاءُ اللهِ مَا كَانَ جَالِباً، وأمثال هذه أكثر من أن تحصى، وأعجب من هذا[4] أنّه لمّا سمع قول النحاة إنّه يجب تجريد صدر الجملة الحاليّة عن علَم الاستقبال[5] لتنافي الحال
[1] قوله: [امتناع مثل إلخ] أي: لو كان سبب الامتناع ما قيل لامتنع مثل ½سيجيء زيد راكباً¼ إذ المجيء فيه مستقبل بدليل السين وقد قيّد بالحال المفردة وكذا ½سأضرب زيداً وهو بين يدي الأمير¼ إذ الضرب فيه مستقبل وقد قيّد بالحال التي هي جملة, ولو امتنع مثل هذا لنقل عن أحد من النحاة ولم ينقل فعلم أنّه غير ممتنع.
[2] قوله: [كيف وقد قال الله تعالى إلخ] أي: وكيف يصحّ القول بامتناع مثل هذا والحال أنّ الله تعالى قال: ﴿سَيَدۡخُلُونَ﴾ الآية, فإنّ الدخول استقبالي وقد قيّد بحال وهو قوله ½داخرين¼ أي: صاغرين, وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمۡ﴾ الآية, فإنّ التأخير لذلك اليوم وهو يوم القيامة استقبالي وقد قيّد بالحال وهو قوله: ﴿مُهۡطِعِينَ﴾ أي: مسرعين.
[3] قوله: [وفي الحَماسة] وهو ديوان لأبي تمّام جمع فيه كلام العرب الموثوق بعربيّتهم ولذلك صرّح بالاسم. قوله ½سَأَغْسِلُ¼ المراد بالغسل الدفع من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم. قوله ½جَالِباً¼ حال من فاعل ½أَغْسِلُ¼ وهو محلّ استشهاد لأنّ عامل هذه الحال مستقبل بدليل اقترانه بالسين, والمعنى سأدفع عن نفسي العار باستعمال السيف في الأعداء في حال جلب حكم الله عليّ الشيءَ الذي يجلبه من عداوة الأعداء وأذيّتهم, والمقصود المبالغة في أنه لا يترك دفع العار في حال من الأحوال.
[4] قوله: [وأعجب من هذا إلخ] إنما كان هذا أعجب لأنّ دليل فساده يظهر ممّا جعله دليلاً على دعواه أعني قول النحاة فإنّ ذلك في الجملة الحاليّة لا في عاملها.
[5] قوله: [عن علم الاستقبال] كالسين و½سَوْفَ¼ و½لَنْ¼ و½هَلْ¼. قوله ½بحسَب الظاهر¼ أي: وإن لم يكن هناك تنافٍ بحسب نفس الأمر إذ الكلام في الحال النحويّة وهي لا تنافي الاستقبال بل يصحّ أن يكون زمنها ماضياً وحالاً ومستقبلاً لأنّ الواجب إنما هو مقارنتها لعاملها فزمنها زمن عاملها أيًّا كان, والمنافي للاستقبال إنما هو الحال الزمانيّ المقابِل للماضي والمستقبل. قوله ½على ما سنذكره¼ أي: في بحث الحال في أواخر باب الفصل والوصل في التذنيب.