أو مقدّرة كما في قوله تعالى: ﴿أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ﴾ أي: من أين، على ما ذكره[1] بعض النحاة (ثم إنّ هذه الكلماتِ الاستفهاميّةَ كثيراً مّا تستعمل في غير الاستفهام) ممّا يناسب المقام[2] بحسَب معونة القرائن (كالاستبطاءِ نحو ½كم دعوتك¼[3] والتعجّبِ نحو: ﴿مَا لِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ﴾ [النمل:٢٠]) لأنه كان[4] لا يغيب عن سليمان عليه السلام إلاّ بإذنه فلمّا لم يبصره مكانه تعجّب من حال نفسه في عدم إبصاره إيّاه، ولا يخفى[5] أنه لا معنى لاستفهام
[1] قوله: [على ما ذكره إلخ] متعلِّق بقوله ½أن يكون معناه إلخ¼, والحاصل أنّ المصـ عبّر بـ½تستعمل¼ إمّا للإشارة إلى أنّ ½أَنّى¼ يحتمل أن يكون مشتركاً بين المعنيين وحقيقة فيهما وأن يكون حقيقة في أحدهما ومجازاً في الآخر وإمّا للإشارة إلى ما قاله بعض النحاة من أنّ ½أَنّى¼ إذا لم تكن بمعنى ½كَيْفَ¼ فمعناها ½أَيْنَ¼ دائماً لكن تكون قبلها ½مِنْ¼ إمّا ظاهرة كما في البيت أو مقدّرة كما في الآية.
[2] قوله: [ممّا يناسب المقام] بيان للغير أي: من المعاني التي تناسب المقام. قوله ½بحسَب معونة القرائن¼ أي: إعانة القرائن الدالّة على تعيين ما يناسب المقام, وهو متعلِّق بـ½تستعمل¼ أو بمحذوف أي: ويتعيّن ذلك الغير المناسب للمقام بحسب معونة القرائن.
[3] قال: [كالاستبطاء] أي: تأخّر الجواب نحو قولك لمن دعوته مراراً فلم يجب: ½كم دعوتك¼ فليس المقصود الاستفهام عن عدد الدعوة لعدم تعلّق الغرض به بل المقصود الاستبطاء بعلاقة السببيّة لأنّ السؤال عن عدد الدعوة سببه الجهل بالعدد وسببه كثرة الدعوة عادة إذ يبعد جهل القليل وسببها الاستبطاء, فأطلق المسبَّب وهو الاستفهام وأريد السبب وهو الاستبطاء ولو بوسائط.
[4] قوله: [لأنه كان إلخ] علّة لمحذوف أي: وإنّما كان الغرض من هذا التركيب التعجّب لأنّ الهدهد كان لا يغيب إلخ.
[5] قوله: [ولا يخفى إلخ] علّةٌ لمحذوف ومعطوفٌ على قوله ½تعجّب من حال نفسه¼ أي: إنّ سليمان على نبيِّنا وعليه السلام تعجّب من حال نفسه لا أنه استفهم عنها إذ لا يخفى أنه لا معنى لاستفهام العاقل عن حال نفسه لأنه أدرى بها من غيره فكيف يستفهم عنها غيرَه, فالمقصود هنا بالاستفهام التعجّب بعلاقة اللزوم؛ لأنّ الاستفهام عن سبب عدم رؤيته الهدهدَ يستلزم الجهل بالسبب والجهل بالسبب يستلزم التعجّب فأطلق اسم الملزوم وهو الاستفهام وأريد اللازم وهو التعجّب.