عنوان الكتاب: مختصر المعاني

العاقل عن حال نفسه، وقولُ[1] صاحب "الكشاف": إنّه نظر سليمان إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال ½ما لي لا أراه¼ على معنى أنه لا يراه وهو حاضر لساترٍ ستره أو غيرِ ذلك ثمّ لاح له أنه غائب فأضرب عن ذلك وأخذ يقول أ هو غائب كأنه يسأل عن صحّة ما لاح له يَدلُّ على[2] أنّ الاستفهام على حقيقته (والتنبيهِ على الضلال نحو: ﴿فَأَيۡنَ تَذۡهَبُونَ[3] [التكوير:٢٦] والوعيدِ كقولك لمن يُسيء الأدب ½أ لم أؤدِّب فلاناً¼ إذا علم) المخاطَب (ذلك) وهو أنك أدّبت فلاناً فيفهم معنى الوعيد[4] والتخويف ولا يحمله على السؤال (والتقريرِ) أي: حمل المخاطب على الإقرار[5] بما يعرفه وإلجائه إليه (بإيلاء المقرَّر به


 



[1] قوله: [وقولُ إلخ] مبتدأ خبره قوله ½يدلّ إلخ¼. قوله ½وهو حاضر¼ جملة حاليّة بين الفعلِ وهو ½لا يراه¼ ومتعلِّقِه وهو ½لساترٍ¼. قوله ½أو غيرِ ذلك¼ ككونه خلفه. قوله ½ثمّ لاح له¼ أي: ظهر له. قوله ½فأضرب عن ذلك¼ أي: عن الجزم بحضوره, وفيه إشارة إلى أنّ ½أَمْ¼ في قوله ﴿أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَآئِبِينَ منقطعة, الحاصل أنّ سليمان عليه السلام جازم بعدم رؤية الهدهد مع حضوره وتردّد في السبب المانع من الرؤية فسأل عن ذلك السبب بقوله ﴿مَا لِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ﴾ فالاستفهام على حقيقته.

[2] قوله: [يدلّ على إلخ] فيكون المعنى: أيّ أمر ثبت لي في حال عدم رؤيتي الهدهد أ هناك ساتر أو مانع آخر منع عن الرؤية, وتفصيل المقام أنّ عدم الرؤية قد يكون لمانع في الرائي وقد يكون في المرئيّ فقوله ﴿مَا لِيَ لَآ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ﴾ إن كان استفهاماً عن الحائل في الرائي فلا يمكن حمل الاستفهام على حقيقته إذ لا معنى للاستفهام عن حال نفسه وإن كان عن الحائل في المرئيّ فيجوز أن يكون الاستفهام على حقيقته.

[3] قال تعالى: [﴿فَأَيۡنَ تَذۡهَبُونَ] فليس المقصود الاستفهام عن مذهبهم بل التنبيه على ضلالهم بعلاقة اللزوم لأنّ الاستفهام عن الطريق الواضح الضلالة يستلزم توجيه ذهن السالك إليه والتوجيه إليه يستلزم التنبيه على كونه ضالاًّ فأطلق الملزوم وهو الاستفهام وأريد اللازم وهو التنبيه على الضلال.

[4] قوله: [فيفهم منه معنى الوعيد] والعلاقة بين الاستفهام والوعيد اللزوم لأنّ هذا الاستفهام يستلزم تنبيه المخاطَب على جزاء إساءةِ الأدب الصادرةِ عن غيره وهذا التنبيه يستلزم وعيد المخاطَب على إساءة الأدب لأنه متّصف بها فأطلق الملزوم وهو الاستفهام وأريد اللازم وهو الوعيد.

[5] قوله: [أي: حمل المخاطب على الإقرار إلخ] أي: حمل المتكلِّم المخاطبَ على الاعتراف بالأمر الذي استقرّ عنده من ثبوت شيء أو نفيه كما يأتي نحو ﴿أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ﴾ [الزمر:٣٦] و﴿ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ﴾ الآية. قوله ½وإلجائه إليه¼ أي: إلى الإقرار, وهذا تفسير لما قبله.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

471