زادهم تهويلاً بقوله ½مَن فرعون¼ أي: هل تعرفون من هو في فرط عتوّه وشدّة شكيمته فما ظنّكم بعذاب يكون المعذِّب به مثلَه (ولهذا قال: ﴿إِنَّهُۥ كَانَ عَالِيٗا مِّنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الدخان:٣١]) زيادةً[1] لتعريف حاله وتهويل عذابه (والاستبعادِ[2] نحو: ﴿أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكۡرَىٰ) فإنّه لا يجوز حمله على حقيقة الاستفهام وهو ظاهر، بل المراد استبعاد أن يكون لهم الذكرى بقرينة قوله تعالى[3]: (وَقَدۡ جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مُّبِينٞ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ﴾ [الدخان:١٣-١٤]) أي: كيف يتذكّرون ويتّعظون ويوفون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب عنهم وقد جاءهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الاذّكار[4] من كشف الدخان، وهو ما ظهر على يد رسول الله صلى الله عليه وآله من الآياتِ البيِّنات من الكتاب المُعجِز وغيرِه فلم يتذكّروا وأعرضوا عنه (ومنها)
[1] قوله: [زيادةً إلخ] تعليل للمقول المذكور بعد تعليل المصـ بقوله ½ولهذا¼ فالعلّة الأولى علّة له مطلقاً والعلّة الثانية علّة له مقيَّداً بالعلّة الأولى. قوله ½وتهويل عذابه¼ إشارة إلى أنّ تعريف حاله من حيث تهويله لا من حيثية أخرى.
[2] قال: [والاستبعادِ] أي: عدّ الشيء بعيداً, واعلم أنّ المعاني المجازيّة لا تنحصر فيما ذكر فإنّ منها الأمرُ نحو ﴿فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [هود:١٤] والزجرُ نحو ½أ تفعل هذا¼, والعرضُ نحو ½ألا تنزل عندنا¼, والحاصل أنّ كلمة الاستفهام إذا امتنع حملها على حقيقته تولّد منه بمعونة القرائن ما يناسب المقام.
[3] قوله: [بقرينة قوله تعالى: إلخ] إذ الجملة الحاليّة تنافي الحمل على الاستفهام الحقيقيّ. قوله ½أي: كيف يتذكّرون إلخ¼ بيان لحاصل المعنى أي: كأنه قيل من أين لهم التذكّر والرجوع إلى الحقّ والحال أنه جاءهم رسول يَعلمُون أمانتَه تولّوا وأعرضوا عنه فالذكرى بعيدة عن حالهم.
[4] قوله: [وأدخل في وجوب الاذّكار] أي: أشدّ دخولاً في ثبوت التذكّر. قوله ½من كشف الدخان¼ تنازع فيه ½أعظم¼ و½أدخل¼, قيل المراد بالدخان الذي هو من علامات الساعة, روي أنّ حذيفة قال: ½يا رسول الله ما الدخان¼؟ فقال: يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوماً وليلة أمّا المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام وأمّا الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره, وقيل: المراد به الذي وقع لقريش حين دعا عليهم النبيّ عليه الصلاة والسلام فأخذتهم سنة جماد أكلوا فيها الجلود والميتة من الجوع وينظر أحدهم إلى السماء فيرى كهيئة الدخان. قوله ½وهو ما¼ أي: وذلك الأعظم والأدخل ما ظهر إلخ. قوله ½من الآياتِ البيّنات¼ بيان لـ½ما¼. قوله ½وغيرِه¼ كالمعجزات الواضحات الأخر.