إذ ليس الغرض[1] طلبَ الانجلاء من الليل إذ ليس ذلك في وسعه لكنه يتمنّى ذلك تخلّصاً عمّا عرض له في الليل من تباريح الجوى ولاستطالته تلك الليلة كأنه لا طماعية له في انجلائها فلهذا يحمل على التمنّي دون الترجّي (والدعاءِ) أي: الطلب على سبيل التضرّع[2] (نحو ½ربّ اغفر لي¼ والالتماسِ كقولك لمن يساويك رتبة ½اِفْعَلْ¼ بدون الاستعلاءِ) والتضرّعِ[3] فإن قيل أيّ حاجة إلى قوله ½بدون الاستعلاء¼ مع قوله ½لمن يساويك رتبة¼؟ قلت قد سبق أنّ الاستعلاء لا يستلزم العلوّ فيجوز أن يتحقّق من المساوي بل من الأدنى أيضاً (ثمّ الأمر قال السكاكي: حقّه الفَور لأنّه الظاهر من الطلَب) عند الإطلاق[4] كما في الاستفهام والنداء
[1] قوله: [إذ ليس الغرض إلخ] تعليل لمحذوف أي: ليس الأمر في البيت على حقيقته إذ ليس الغرض إلخ. قوله ½إذ ليس ذلك إلخ¼ تعليل للتعليل. قوله ½لكنه يتمنّى ذلك¼ أي: الانجلاء فكأنه يقول ليتك تنجلي. قوله ½تخلّصاً إلخ¼ علّة للتمنّي. قوله ½من تباريح الجوى¼ بيان لـ½مَا¼, والتباريح جمع التبريح وهو الشدّة, والجوى الحرقة وشدّة الوجد من حزن أو عشق. قوله ½ولاستطالته إلخ¼ أي: ولعدّه تلك الليلة طويلة جدًّا, وهذا علّة متقدِّمة على المعلول وهو قوله ½كأنه لا طماعية¼, وهو عطف على قوله ½إذ ليس ذلك في وسعه¼ فهو دليل آخر على أنّه ليس الغرض من الأمر هنا طلبَ الانجلاء. قوله ½فلهذا¼ أي: فلأجل عدم الطماعية في الانجلاء حمل الأمر على التمنّي دون الترجّي.
[2] قوله: [على سبيل التضرّع] أي: التذلّل والخضوع سواء كان الطالب أدنى أو أعلى أو مساوياً في الرتبة. قال: ½والالتماسِ¼ ويسمّى بالسؤال أيضاً.
[3] قوله: [والتضرّعِ] إشارة إلى أنّ المعطوف مع العاطف محذوف, وهو لإخراج قولك ½اِفْعَلْ¼ عن كونه دعاءً كما أنّ قوله ½بدون الاستعلاء¼ لإخراجه عن كونه أمراً إذ الظاهر أنّ مناط الأمريّة في الطلب هو الاستعلاء ولو من الأدنى ومناط الدعاء هو التضرّع والخضوع ولو من الأعلى ومناط الالتماس هو التساوي ولو من الأدنى أو من الأعلى. قوله ½أنّ الاستعلاء لا يستلزم العلوّ¼ فإنّ الاستعلاء عدّ الآمر نفسَه عالياً سواء كان عالياً في نفس الأمر أو مساوياً أو أدنى.
[4] قوله: [عند الإطلاق] أي: إذا كان الأمر مجرّداً عن القرائن والقيود الدالّة على أنّ المأمور به ليس مطلوباً على الفَور بخلاف قولك ½اذهب إلى زيد غداً¼, وفي بعض النسخ: ½عند الإنصاف¼ أي: عند إنصاف النفس لا عند الحميّة والجدال. قوله ½كما في الاستفهام والنداء¼ فإنّ حقّهما باتّفاق الفور ففي الاستفهام إنّما يراد الجواب بالمستفهَم عنه فوراً وفي النداء إنّما يراد إقبال المنادى فوراً فهذا قرينة مُقويَّة على أنّ حقّ الأمر الفور لمشاركه إيّاهما في الطلب لا قياس إذ اللغة إنّما تثبت بالنقل لا بالقياس.