الأربعة السابقة الفصل، فأخذ المصنف في تحقيق الأحوال الستّة فقال (أمّا كمال الانقطاع) بين الجملتين (فلاختلافهما خبراً وإنشاءً لفظاً ومعنى) بأن تكون إحداهما[1] خبراً لفظاً ومعنى والأخرى إنشاءً لفظاً ومعنى (نحو: وَقَالَ رَائِدُهُمْ) هو الذي يتقدّم القوم لطلب الماء والكلاء[2] (أَرْسُوْا) أي: أقيموا من ½أَرْسَيتُ السفينةَ¼ حبستها بالمِرساة (نُزَاوِلُهَا) أي: نحاول تلك الحرب[3] ونعالجها، فَكُلُّ حَتْفِ امْرِئٍ يَجْرِيْ بِمِقْدَارٍ، أي: أقيموا نقاتل فإنّ موت[4] كلّ نفس يجري بقدر الله تعالى لا الجبن ينجيه ولا الإقدام يُرَدِّيْه، لم يعطف[5] ½نُزَاوِلُهَا¼ على
[1] قوله: [بأن تكون إحداهما إلخ] اعلم أنّ كلام المصـ صادق بأربع صور الأولى: أن تكون الأولى خبريّة لفظاً ومعنى والثانية إنشائيّة لفظاً ومعنى, والثانية: عكسه, والثالثة: أن تكون الأولى خبريّة لفظاً إنشائيّة معنى والثانية إنشائيّة لفظاً خبريّة معنى, والرابعة: عكسه, وقد قصره الشارح على الصورتين الأوليين.
[2] قوله: [لطلب الماء والكلاء] أي: لأجل نزولهم عليه, وهذا تفسير للرائد بحسب الأصل والمراد به هنا عريف القوم أي: الشُجاع المِقدام منهم. قوله ½من أَرْسَيْتُ السفينةَ¼ أي: مأخوذ منه. قوله ½حبستها بالمِرساة¼ المِرساة حديدة تلقى في الماء متّصلة بالسفينة فتقف تقال بالأردية ½لنگر¼, ويؤخذ من قوله هذا أنّ تفسير الإرساء بالإقامة تفسير باللازم لأنّ الإقامة لازمة للحبس.
[3] قوله: [أي: نحاول تلك الحرب] أي: نحاول أمرها. قوله ½ونعالجها¼ أي: نحتال لإقامتها بأعمالها. قوله ½فَكُلُّ حَتْفِ امْرِئٍ إلخ¼ علّة لمحذوف أي: ولا تخافوا لأنّ كلّ حتف امرئ, وهذا تمام البيت.
[4] قوله: [فإنّ موت إلخ] أي: قال رائدهم أقيموا نقاتل ولا يمنعكم من محاولة إقامة الحرب خوف الحتف وهو الموت فإنّ موت كلّ إلخ. قوله ½بقدر الله¼ فيه إشارة إلى أنّ المقدار مصدر ميميّ بمعنى القدر. قوله ½لا الجبن ينجيه¼ أي: لا الجبن ينجي المرء من الموت حتّى يرتكب. قوله ½ولا الإقدام يُرَدِّيْه¼ أي: يوقع المرء في الهلاك حتّى يجتنب عنه, ويصحّ سكون الراء وكسر الدال أي: يُهلِكه.
[5] قوله: [لم يعطف إلخ] بيان لكمالِ الانقطاع بين ½أرسوا¼ و½نزاولها¼ وعدمِ الوصل بينهما. قوله ½لأنّه خبر¼ أي: لأنّ ½نزاولها خبر¼ قوله ½وهذا مثال إلخ¼ جواب سؤال نشأ من تمثيل المصـ حاصل السؤال أنّ كلامنا فيما لا محلّ له من الإعراب والجملتان في البيت اللتان مثل بهما المصـ لهما محلّ من الإعراب لأنهما معمولتان لـ½قال¼ فالتمثيل غير مطابق, وحاصل الجواب أنّ هذا مثال لكمال الانقطاع بين الجملتين مع قطع النظر عن كونهما لا محلّ لهما من الإعراب, والحاصل أنّ كمال الانقطاع نوعان الأوّل فيما ليس له محلّ من الإعراب وهذا يوجب الفصل والثاني فيما له محلّ من الإعراب وهذا لا يوجب الفصل والمثال من الثاني دون الأوّل.