(فإنّ الانتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع) حال إرادة البكاء وهي حالة الحزن على مفارقة الأحبّة (لا إلى ما قصده من السرور) الحاصل بالملاقاة، ومعنى البيت: أنّي اليوم[1] أطيب نفساً بالبعد والفراق وأوطّنها على مقاساة الأحزان والأشواق، وأتجرّع غصصها[2] وأتحمّل لأجلها حزناً يفيض الدموع من عينَيّ لأتسبّب بذلك إلى وصلٍ يدوم[3] ومسرةٍ لا تزول؛ فإنّ الصبر مفتاح الفرَج ومع كلّ عسر يسراً ولكلّ بداية نهاية، وإلى هذا أشار الشيخ عبد القاهر في "دلائل الإعجاز"، وللقوم ههنا[4] كلام فاسد أوردناه في الشرح (قيل) فصاحة الكلام[5] خلوصه ممّا ذكر (ومن كثرة التكرار وتتابع الإضافات كقوله)
[1] قوله: [أنّي اليوم إلخ] فيه إشارة إلى أنّ السين في ½سأطلب¼ ليست للاستقبال بل زائدة للتوكيد على حدّ قوله تعالى: ﴿سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ﴾ [آل عمران:١٨١], و½أطيب¼ بالتخفيف من ½طاب¼ بدليل تنكير ½نفساً¼ على التمييز, ويصحّ أن يكون بالتشديد من ½طيّب¼. قوله ½أوطنها¼ أي: أصبرها على مقاساة الأحزان, وهذا بيان لحاصل معنى قولِه ½وتسكب عيناي¼, وأخذ الأشواق بطريق اللازم لأنه يلزم من الحزن على بعد الحبيب الاشتياق إليه.
[2] قوله: [غصصها] أي: غصص الأشواق, وتشبيه الأشواق بمشروب مرّ استعارة بالكناية وإثبات التجرّع لها استعارة تخييليّة. قوله ½لأجلها¼ علّة للتحمّل أي: أتحمّل لأجل تلك الأشواق.
[3] قوله: [إلى وصل يدوم] راجع لقوله ½لتقربوا¼. قوله ½ومسرّة لا تزول¼ راجع لقوله ½لتجمدا¼ بيان للمعنى المراد منه. قوله ½مع كلّ عسر¼ عطف على خبر ½إنّ¼ و½يسراً¼ عطف على اسمها.
[4] قوله: [ههنا] أي: في بيان معنى البيت كلام فاسد, وحاصله أنّ عادة الزمان والإخوان الإتيان بنقيضِ المطـ وخلافِ المقصـ فطلب الشاعر البعد ليحصل نقيضه وهو القرب وطلب الحزن ليحصل نقيضه وهو السرور, ووجه فساده أنّ الزمان إنما يأتي بما هو نقيض المطـ في الواقع لا بما يظهر أنه مطلوبه.
[5] قوله: [فصاحة الكلام إلخ] إشارة إلى أنّ قول المصـ ½ومن كثرة إلخ¼ عطف على مقدّر في كلام صاحب القيل والمجموع مقول القيل. قوله ½ممّا ذكر¼ أي: من الأمور الثلاثة السابقة في كلام المصـ.