وَمَسْمَعٍ، ففيه إضافة حمامة إلى جرعى وجرعى إلى حومة وحومة إلى الجندل، والجرعى تأنيث الأجرع قصرها للضرورة، وهي أرض ذات رمل لا تُنبِت شيئاً، والحومة معظّم الشيء، والجندل أرض ذات حجارة، والسجع هديرُ الحمام ونحوُه، وقوله: ½فأنت بمرأى¼ أي: بحيث تراكِ سعادُ[1] وتسمع صوتَكِ يقال: ½فلان بمرأى منّي ومسمع¼ أي: بحيث أراه وأسمع قولَه كذا في "الصحاح"، فظهر فساد ما قيل إنّ معناه أنتِ بموضع ترين منه سعادَ وتسمعين كلامَها، وفساد ذلك ممّا يشهد به العقل والنقل[2] (وفيه نظر) لأنّ كلاًّ[3] من كثرة التكرار وتتابع الإضافات إن ثقل اللفظ بسببه على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه بالتنافر وإلاّ فلا يخلّ بالفصاحة، كيف[4] وقد وقع في التنزيل: ﴿مِثۡلَ دَأۡبِ قَوۡمِ نُوحٖ﴾ [المؤمن:٣١]، و﴿ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ﴾ [مريم:٢]، و﴿وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا (٧) فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا﴾ [الشمس:٧- ٨]
[1] قوله: [أي: بحيث تراكِ سعاد] أي: في مكان تراكِ فيه سعاد. قوله ½يقال إلخ¼ استشهاد على المعنى الذي بيّنه الشارح فإنّ كلام "الصحاح" يفيد أنّ المجرور بـ½مِنْ¼ بعد ½مَرْأًى ومَسْمَع¼ هو الفاعل للرؤية والسَماع. قوله ½ما قيل إلخ¼ القائل الزوزني, فإنّ كلامه يقتضي أنّ المجرور بـ½مِنْ¼ بعد ½مَرْأًى ومَسْمَع¼ هو مفعول الرؤية والسَماع وهذا يخالف ما يفيده كلام "الصحاح".
[2] قوله: [يشهد به العقل والنقل] أمّا شهادة النقل بفساده فلما نقل من "الصحاح", وأمّا شهادة العقل بفساده فلأنّ الحمامة إذا كانت تسمع صوت الحبيبة فلا يحسن في نظر العقل طلب تصويتها بقوله ½اسجعي¼ بل اللائق طلب الإصغاء فكان الواجب على الشاعر أن يقول ½اسمعي¼ أو ½اسكتي¼ أو ½انصتي¼.
[3] قوله: [لأنّ كلاًّ إلخ] بيان وجه النظر, حاصله أنّا لا نسلّم أنّ الكثرة أو التتابع مخلّ بالفصاحة مطلقاً بل الحقّ التفصيل بأنه إنْ ثقل اللفظ بسببه كان مخلاًّ لكنّ الاحتراز عنه قد حصل بقيد الخلوص عن التنافر فلا حاجة إلى تقييد الخلوص عنه على حدة, وإنْ لم يثقل اللفظ لم يكن مخلاًّ فلا وجه للاحتراز عنه.
[4] قوله: [كيف] استفهام تعجّبيّ أي: كيف يصحّ القول بأنّهما يخلاّن بالفصاحة مطلقاً وقد وقع إلخ. قوله ½الفصاحة¼ يظهر غرضه ممّا ذكرنا في مثل هذا الموضع.