الأظهر من هذه الأشياء المذكورة في الآية[1] تناولها الشامل للأكل وشرب الألبان فدلّ على تعيين المحذوف، وفي قوله ½منها أن يدلّ¼ أدنى تسامح[2] فكأنه على حذف مضاف (ومنها أن يدلّ العقل عليهما) أي: على الحذف وتعيين المحذوف (نحو: ﴿وَجَآءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر:٢٢]) فالعقل يدلّ[3] على امتناع مجيء الربّ تعالى وتقدّس ويدلّ على تعيين المراد أيضاً (أي: أمره أو عذابه) فالأمر المعيّن[4] الذي دلّ عليه العقل هو أحد الأمرين لا أحدهما
[1] قوله: [الأشياء المذكورة في الآية] وهي الميتة والدم ولحم الخنزير, ولو أسقط ½هذه¼ من ½من هذه¼ لكان أوضح إذ لم يتقدّم التنصيص على شيء منها. قوله ½تناولها إلخ¼ وإنّما كان التناول هو المقصود الأظهر من الأشياء المذكورة لأنه المفهوم من هذا الكلام بحسب العرف والاستعمال. قوله ½فدلّ إلخ¼ أي: فكون التناول مقصوداً أظهر دلّ على تعيين المحذوف بأنّ المحذوف هو لفظ ½تناول¼.
[2] قوله: [أدنى تسامح] أي: تسامح أدنى وقريب وسهل وهو جعل الدلالة من الأدلّة فإنّ قوله ½أن يدلّ¼ بمعنى الدلالة وقد عدّه من الأدلّة للحذف, وإنّما عبّر بـ½أدنى¼ لإمكان الجواب عنه بسهولة. قوله ½فكأنه على حذف مضاف¼ تصحيح العبارة أي: فيكون التقدير: ½منها ذو أن يدلّ إلخ¼ وذو الدلالة وصاحبها هو الدليل, وإنّما أتى بـ½كأنّ¼ ولم يجزم بأنّ حذف المضاف هو المصحِّح للعبارة إشارة إلى عدم تعيّنه لاحتمال أن يكون قوله ½أن يدلّ¼ مُقحَماً والأصل: ½منها العقل¼, ولكن لا يخفى ما في هذا الاحتمال من تعسّف.
[3] قوله: [فالعقل يدلّ إلخ] بيان لكون العقل دالاّ على الحذف في الآية وعلى تعيين المحذوف, ثمّ العقل الدالّ على امتناع مجيء الربّ القديم المتقدِّس المتنزِّه عن شوائب الحدوث إنّما هو العقل الكامل فخرج عقل المجسّة الفاترين. قوله ½ويدلّ إلخ¼ إشارة إلى أنّ قوله ½أي: أمره إلخ¼ بيان للمحذوف الدالّ عليه العقل.
[4] قوله: [فالأمر المعيّن إلخ] جواب عمّا يقال إنّ ½أو¼ في قوله ½أمره أو عذابه¼ للإبهام وحينئذ فلا تعيين للمحذوف فلا يصحّ القول بدلالة العقل على تعيين المحذوف هنا, وحاصل الجواب أنّ المراد أنّ العقل يعيِّن الأحد الدائر بين الأمر والعذاب والأحد الدائر بين الأمرين معيّن بالنظر إلى عدم ثالث وإن كان مبهماً بالنظر إلى الأمرين فهو تعيين نوعيّ لا شخصيّ, ثمّ المراد بالأمر والعذاب ما يأمر به وما يعذّب به فلا يرد أنّ الأمر والعذاب أمران معنويّان لا مجيء لهما.