لمّا امتاز عن سائر أفراد العامّ بما له من الأوصاف الشريفة جعل كأنه شيء آخر مغاير للعامّ لا يشمله العامّ ولا يعرف حكمه منه (نحو: ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ﴾ [البقرة:٢٣٨]) أي: الوسطى من الصلوات[1] أو الفضلى من قولهم للأفضل الأوسط وهي صلاة العصر عند الأكثر (وإمّا بالتكرير لنكتة) ليكون إطناباً لا تطويلاً[2] وتلك النكتة (كتأكيد الإنذار في ﴿كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ﴾ [التكاثر:٣-٤]) فقوله ½كلاّ¼ ردع[3] عن الانهماك في الدنيا وتنبيه، و½سوف تعلمون¼ إنذار وتخويف أي: سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه
[1] قوله: [أي: الوسطى من الصلوات] ½من¼ بمعنى ½بين¼, وهذا أحد احتمالين في معنى الوسطى في الآية, وقوله ½أو الفضلى¼ احتمال ثان فيه. قوله ½عند الأكثر¼ وذلك لتوسّطها بين نهاريّتين وليليّتين, وقيل المغرب لتوسّطها بين صلاتين تقصران, وقيل العشاء لتوسّطها بين صلاتين لا تقصران, وقيل الفجر لتوسّطها بين نهاريّتين وليليّتين, وقيل الظهر, وقال بعضهم هي إحدى الصلوات الخمس لا بعينها أبهمها الله تعالى تحريضاً للعباد على المحافظة على أداء جميعها كما قيل في ليلة القدر وساعة الجمعة.
[2] قوله: [ليكون إطناباً لا تطويلاً] متعلِّق بمحذوف أي: إنّما قيّد التكرار بالنكتة ليكون إطناباً فإنّ التكرار بغير نكتة تطويل, ومن نكات التكرار زيادة تأكيد ما تنتفي به التهمة في النصح كقوله تعالى حكاية عن صاحب قوم فرعون: ﴿يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُونِ أَهۡدِكُمۡ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ (٣٨) يَٰقَوۡمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا مَتَٰعٞ﴾ [المؤمن:٣٨-٣٩] فإضافة القوم إلى ياء النفس تفيد بُعد الناصح عن التهمة في النصح فإنّ الشخص لا يريد لقومه إلاّ ما يريد لنفسه فتضمّن تكراره زيادة تأكيد نفي التهمة, ومنها أن يكون معنى متعلِّق الفعل المذكور مختلفاً واللفظ الدالّ على ذلك المتعلِّق واحداً لأنّ في تكراره إفادة تنبيه على كلّ معنى بخصوصه كقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:١٣] فإنّه كرِّر إثر ذكر النعم في السورة والنعم المذكورة مختلفة والمقام يقتضي التنبيه على كلّ نعمة ليقام بشكرها.
[3] قوله: [فقوله ½كلاّ¼ ردع إلخ] أي: فإنّها تفيد هنا الردع والزجر عن الانهماك في تحصيل الدنيا وتفيد التنبيه على الخطأ في الاشتغال بها عن الآخرة, فنُبِّهوا على خطأ منهم بقوله ½كلاّ¼ وخُوِّفوا على ارتكاب ذلك الخطأ بقوله ½سوف تعلمون¼. قوله ½وفي تكريره¼ أي: وفي تكرير ½كلاّ سوف تعلمون¼. قوله ½تأكيد للردع والإنذار¼ هذا زيادة على قول المصـ ½كتأكيد الإنذار¼ إشارةً إلى أنه بحذف المعطوف مع العاطف.