ما يليه على ما ذكر[1] في "الكشّاف" في قوله تعالى: ﴿قَلِيلٗا مَّا تَشۡكُرُونَ﴾ [المؤمنون:٧٨] أي: في كثير من الأحيان (يسمّى ذلك) الوصف المذكور[2] (فصاحة أيضاً) كما يسمّى بلاغة, وفي هذا[3] إشارة إلى دفع التناقض المتوهَّم من كلام الشيخ عبد القاهر في "دلائل الإعجاز" فإنه ذكر في مواضع منه أنّ الفصاحة صفة راجعة إلى المعنى وإلى ما يُدَلّ عليه باللفظ دون اللفظ نفسه وفي بعضها[4] أنّ فضيلة الكلام للفظه لا لمعناه حتّى أنّ المعاني مطروحة في الطريق يعرفها الأعجميّ والعرَبيّ والقرَويّ والبدَويّ ولا شكّ أنّ الفصاحة من صفاته الفاضلة فتكون راجعة إلى اللفظ دون المعنى, فوجه التوفيق بين الكلامين أنه أراد[5]
[1] قوله: [على ما ذكر إلخ] هذا مرتبط بكونِ ما زائدة لتأكيد معنى الكثرة وكونِ العامل في كثيراً ما يليه لا بكونه منصوباً على الظرفيّة لأنّ صاحب "الكشّاف" جعل قليلاً في الآية صفة لمصدر محذوف أي: شكراً قليلاً لا منصوباً على الظرفيّة. قوله أي: في كثير من الأحيان في المجيء بهذا البيان إشارة إلى أنّ كثيراً صار بعد حذف الموصوف وإقامته مقامه اسماً لذلك إلاّ أنّ فيه إبهاماً يحتاج إلى البيان.
[2] قوله: [الوصف المذكور] إشارة إلى المشار إليه. قوله كما يسمّى بلاغة أي: كما يسمّى ذلك الوصف بلاغة, وهذا إشارة إلى وجه إيراد قوله أيضاً.
[3] قوله: [وفي هذا إلخ] أي: وفي قول المصـ فالبلاغة صفة إلخ مع قوله وكثيراً مّا يسمّى ذلك فصاحة أيضاً, واعلم أنّ التناقض المتوهَّم من كلام الشيخ على أوجه الأوّل أنه يجعل الفصاحةَ في مقامٍ صفةً للمعنى دون اللفظ ويجعلها في آخرَ صفةً للفظ دون المعنى, والثاني أنه قد يُثبِت أنها من صفات المعنى وقد ينفي ذلك, والثالث أنه قد يُثبِت أنها من صفات اللفظ وقد ينفي ذلك.
[4] قوله: [وفي بعضها إلخ] أي: وذكر في بعض مواضع من "دلائل الإعجاز" أنّ فضيلة الكلام إلخ.
[5] قوله: [أنه أراد إلخ] حاصل هذا الوجه أنّ الشيخ أراد بالفصاحة معنى البلاغة فإنّ البلاغة كثيراً مّا يطلق عليه الفصاحة, فحيث أثبت أنها صفة للفظ أراد أنها صفة له باعتبار إفادته المعنى بالتركيب وحيث نفى ذلك أراد أنها ليست صفة له من حيث هو هو, وكذا حيث أثبت أنها صفة للمعنى أراد أنها صفة له بالمدخليّة وحيث نفى ذلك أراد أنها ليست صفة له باعتبار نفسه, فلا تناقض في جعل البلاغة صفة للفظ ونفيه وكذا في جعلها صفة للمعنى ونفيه لتغاير محلّي الإثبات والنفي. قوله هذا خلاصة إلخ أي: ما ذكرنا من تقرير وجه التوفيق بين كلامي الشيخ خلاصة كلام المصنف في "الإيضاح".