فإنّ رجوع الصدق والكذب إلى الحكم أوّلاً وبالذات وإلى الخبر ثانياً وبالواسطة (للواقع) وهو الخارج الذي[1] يكون لنسبة الكلام الخبريِّ (وكذبه عدَمها) أي: عدَم مطابقته للواقع, بيان ذلك[2] أنّ الكلام الذي دلّ على وقوع نسبةٍ بين شيئَيْن إمّا بالثبوت بأنّ هذا ذاك[3] أو بالنفي بأنّ هذا ليس ذاك فمع قطع النظر عمّا في الذهن من النسبة لا بدّ وأن يكون بينهما نسبة ثبوتيّة أو سلبيّة لأنه إمّا أن يكون هذا ذاك أو لم يكن, فمطابقة هذه النسبة[4] الحاصلة
[1] قوله: [وهو الخارج الذي إلخ] دفع لما يتوهّم من أنّ في كلامي المصـ تدافعاً حيث يُفهَم ممّا سبق أنّ الصدق مطابقة الخبر للخارج ويُفهَم من هنا أنّ الصدق مطابقة الخبر للواقع, وحاصل الدفع أنّ اللام في قوله للواقع للعهد والمعهود به الخارج الواقع في قوله السابق: إن كان لنسبته خارج إلخ يعني أنّ الخارج والواقع واحد فلا تدافع.
[2] قوله: [بيان ذلك إلخ] غرض هذا البيان توضيحُ التفسير المذكور للصدق والكذب, ودفعُ توهّمات سنذكرها إن شاء الله تعالى. قوله أنّ الكلام الذي إلخ وهو الكلام الخبَريّ. قوله دلّ على وقوع نسبةٍ إلخ أي: على حصول نسبةٍ إلخ. قوله إمّا بالثبوت أو بالنفي متعلِّق بالوقوع, والظاهر أنّ خبر أنّ هو قوله لا بدّ وأن يكون إلخ والواو زائدة في متعلِّق اسم لا أي: لا بدّ من أن يكون إلخ, وخبر لا محذوف أي: حاصل, وأمّا الفاء في قوله فمع قطع النظر إلخ فهي داخلة على الخبر حكماً لكونها داخلة على الظرف الواقع موقع الخبر فهي في الحقيقة زائدة في الخبر على مذهب الأخفش.
[3] قوله: [بأنّ هذا ذاك] تصوير لوقوع نسبةٍ بين شيئَين بالثبوت. قوله بأنّ هذا ليس ذاك تصوير لوقوع نسبةٍ بين شيئَين بالنفي. قوله فمع قطع النظر إلخ إشارة إلى أنّ المراد بالخارج نفس الأمر وهو يشمل الذهن والفرض والخارج جميعاً, فلا يتوهّم أنّ تفسير الصدق والكذب بمطابقة الخبر للخارج لا يكون جامعاً لخروج القضايا الذهنيّة والحقيقيّة منه إذ مطابقتها ليست للخارج بل للذهن والفرض.
[4] قوله: [فمطابقة هذه النسبة إلخ] فيه دفع لما يتوهّم من أنّ المراد بمطابقة الخبر للخارج مطابقة حكمه له, والحكمُ والخارجُ كلاهما نسبة فيلزم اتّحادُ المُطابِق والمُطابَق ومطابقةُ الشيء لنفسه, وحاصل الدفع أنّ المطابِق هي نسبة ذهنيّة كلاميّة والمطابَق هي نسبة واقعيّة فلا يلزم المحذور.