الآخر لم يصر أحدهما مسنداً إليه والآخر مسنداً والمتقدّم على النسبة إنّما هو ذات الطرفين ولا بحث لنا عنها (لا شكّ أنّ قصد المُخبِر) أي: من يكون بصدد الإخبار[1] والإعلام[2] لا من يتلفّظ بالجملة الخبريّة فإنه كثيراً مّا[3] تُورَد الجملة الخبريّة لأغراض أخر سوى إفادة الحكمِ أو لازمِه كقولِه تعالى حكاية عن امرأة عمران[4]: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ﴾ [آل عمران: ٣٦] إظهاراً للتحسّر على خَيبةِ رَجائها وعكسِ تقديرها والتحزّن إلى ربّها لأنها كانت ترجو وتقدّر أن تَلِد ذكراً, وقولِه تعالى حكاية عن زكريّا عليه السلام: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّي﴾ [مريم:٤] إظهاراً للضعف والتخشّع, وقولِه تعالى: ﴿لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ الآية[5]
[1] قوله: [بصدد الإخبار إلخ] دفعٌ لما يرد من أنّه يتبادر من قوله ولا شكّ أنّ قصد المُخبِر بخبره إفادة المخاطَب إمّا الحكمَ أو كونَه عالماً به أنّ قصد المتكلِّم بالجملة الخبريّة منحصر في الفائدتين وليس كذلك لأنّ الجملة الخبريّة كثيراً مّا تورد لأغراض أخرى سوى إفادة الحكمِ أو لازمِه كما في الآيات الآتية في الشرح, وحاصل الدفع أنه ليس المراد بالمُخبِر هنا من يتكلّم بالجملة الخبريّة فقط بل المراد به من يكون مع كونه متكلِّماً بها بصدد الإخبار ولا شكّ في أنّ المتكلِّم بها إذا كان بصدد الإخبار والإعلام فقصده ينحصر في الفائدتين المذكورتين البتّة فلا نقض على الحصر المستفاد من عبارة المتن.
[2] قوله: [والإعلام] عطف تفسير للإخبار إشارةً إلى أنّ الإخبار هنا بالمعنى اللغَويّ وهو الإعلام لا بالمعنى العرفيّ وهو التلفّظ بالجملة الخبريّة, ولا يخفى أنه لا يلزم في الإخبار والإعلام أن يحصل العلم لمن أُخبِر ولهذا يُعتق الكلّ فيما إذا قال المولى لعبيده: من أخبرني بقدوم زيد فهو حرّ وأخبروه به على التعاقب مع أنّ العلم بقدومه قد حصل له بإخبار الأوّل.
[3] قوله: [فإنه كثيراً مّا إلخ] أي: لأنه كثيراً مّا إلخ, تعليل للتفسير المذكور.
[4] قوله: [عن امرأة عمران إلخ] فقولها إنّي وضعتها أنثى جملة خبريّة لكنها ليست للإعلام لأنّ المخاطَب هو الله تعالى وهو عالم بالفائدتين وإنه محيط بكلّ شيء علماً بل هي لإظهار التحسّر فإنّ إظهار خلافَ ما ترجوه يلزمه إظهار التحسّر على خيبةِ الرجاء وعكسِ التقدير, وقس عليه الأمثلة الباقية. قوله وعكسِ تقديرها عطف تفسير لقوله خَيبةِ رَجائها. قوله والتحزّن إلى ربِّها عطف على قوله للتحسّر.
[5] قوله: [وقولِه ﴿لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ الآية إلخ] لا يخفى أنّ عدم كون هذه الآية للإعلام مبنيّ على أنّ الحكم كان معلوماً للرسول عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين وإلاّ فتكون للإعلام فلا يصحّ استشهاد الشارح بها على إيراد الجملة الخبريّة لغرض آخر سوى إفادة الحكم أو لازمه وهو إظهار التفاوت العظيم بين القاعدين من المؤمنين وبين المجاهدين منهم. قوله ليتأنّف التأنّف الاستنكاف والاستكراه. قوله ويترفّع بنفسه الباء للتعدية أي: وليرفع نفسَه عن انحطاط درجته.