[النساء:٩٥] إظهاراً لما بينهما من التفاوت العظيم ليتأنّف القاعد ويترفّع بنفسه عن انحطاط منزلته, ومثله[1] ﴿هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ﴾ [الزمر:٩] تحريكاً لحميّة الجاهل, وأمثال هذا أكثر من أن يُحصَى[2] وكفاك شاهداً على ما ذكرت[3] قولُ الإمام المَرزُوقِيّ في قوله: قَوْمِيْ هُمْ قَتَلُوْا أُمَيْمُ أَخِيْ * فَإِذَا رَمَيْتُ يُصِيْبُنِيْ سَهْمِيْ هذا الكلام[4] تحزّن وتفجّع وليس بإخبار, لكنّه إذا كان بصدد الإخبار[5] فلا شكّ أنّ قصده (بخبره إفادةُ المخاطَب
[1] قوله: [ومثله إلخ] إنّما فصل هذا ممّا قبله بتغيير الأسلوب حيث قال ومثله إلخ ولم يقل وقولِه إلخ لأنه استفهام إنكاريّ وهو من قبيل الإنشاء فأشار بالتنصيص بالمثليّة إلى أنّ الاستفهام الإنكاريّ الذي في حكم الإخبار بالمنفيّ ينظم في سلك الإخبار وإن كان في الصورة إنشاءً, والحميّةُ الغيرة.
[2] قوله: [أكثر من أن يُحصَى] إنّما قال ذلك لئلاّ يتوهّم الحصر في الأمثلة المذكورة. إن قيل إنّ ما بعد أنْ هنا لا يصلح أن يكون مُفضَّلاً عليه إذ ليس مشاركاً لما قبله في أصل المعنى وهو الكثرة, قيل المراد أنّ أمثال هذا أكثر ممّا يمكن أن يُحصَى, إلاّ أنه سُومِح في العبارة اعتماداً على ظهور المراد.
[3] قوله: [وكفاك شاهداً على ما ذكرتُ إلخ] تأييد لما ذكره من أنّ الجملة الخبريّة كثيراً مّا تورد لأغراض أخرى سوى إفادة الحكم أو لازمه. قوله في قوله أي: في قول الحارث بن دعلة الدهيليّ وهو شاعر حَماسيّ. قوله أُمَيْمُ منادى مرخَّم أميمة اسم امرأة كانت تلومه على ترك الانتقام من قومه مع أنهم قتلوا أخاه. قوله أَخِيْ مفعول به لـقَتَلُوْا. قوله سَهْمِيْ فيه تنازع رَمَيْتُ ويُصِيْبُنِيْ, يقول اعتذاراً عن تقاعده عن الانتقام مع إظهار الحزن: يا أميمة قومي هم قتلوا أخي فلا قدرة لي على طلب الثأر منهم لأنّي إذا رميتُ أحداً منهم سهماً أصابني ذلك السهم لأني أكون قاتلاً رجلاً من أهلي.
[4] قوله: [هذا الكلام إلخ] هذا قول المرزوقيّ. قوله وليس بإخبار أي: ليس بإعلام لأنّ الحكم ولازمه كلاهما معلومان, وليس المراد أنه ليس بإخبار بل إنشاء لأنه حينئذ لا يكون شاهداً للشارح.
[5] قوله: [لكنّه إذا كان بصدد الإخبار إلخ] هذا كلام الشارح, وإنّما أعاد معنى المتن لوقوع الفصل الكثير بين اسم أنّ وخبرها, وللإشارة إلى أنّ قوله بخبره متعلِّق بالقصد.