من سامع في خبر يسمعه بل عَلِم ثبوتَ ما أُثبِت وانتفاءَ ما نُفِي إذ لا معنى للدلالة إلاّ إفادته العلم بذلك الشيء, ولما صحّ[1] ضرب زيد إلاّ وقد وُجِد منه الضرب لئلاّ يلزم إخلاء اللفظ عن معناه الذي وضع له وحينئذٍ لا يتحقّق الكذب أصلاً[2] وللزم التناقض[3] في الواقع عند الإخبار بأمرين متناقضين, قلتُ: ظاهر[4] أنّ العلم بثبوت الشيء لا يستلزم
[1] قوله: [ولما صحّ إلخ] عطف على قوله لما وقع إلخ فهذا دليل ثان على قوله وأنه لا يدلّ إلخ أي: لو كان مدلول الخبر ثبوت المعنى وانتفائه لما صحّ إلخ. قوله لئلاّ يلزم إلخ دليل للملازَمة, وحاصله أنه لو صحّ ضرب زيد مع عدم وقوع الضرب منه للزم خلوّ اللفظ وهو ضرب زيد عن معناه الموضوع له وهو وقوع الضرب, وخلوُّ اللفظ عن معناه الموضوع له عند استعماله فيه محال.
[2] قوله: [وحينئذ لا يتحقّق الكذب أصلاً] بيانٌ لبطلان التالي أعني قوله ولما صحّ إلخ حاصله أنه يلزم حينئذ أن لا يكون شيء من الأخبار بكاذب وهو باطل, بخلاف ما إذا كان مدلول الخبر الإيقاعَ والانتزاعَ فإنه يجوز حينئذ تحقّق الكذب باعتبار عدم مطابقة مدلول الخبر للواقع.
[3] قوله: [وللزم التناقض إلخ] عطف على قوله لما وقع إلخ فهذا دليل ثالث على قوله وأنه لا يدلّ إلخ أي: لو كان مدلول الخبر ثبوتَ المعنى وانتفائَه لتحقّق التناقض في الواقع عند الإخبار بأمرين متناقضين لدلالة الإخبار بهما على ثبوتهما في الواقع والتالي باطل فكذا المقدَّم, بخلاف ما إذا كان مدلول الخبر الإيقاعَ والانتزاعَ فإنه لا يلزم من الإيقاعِ الوقوعُ والانتزاعِ اللاوقوعُ فافهم.
[4] قوله: [قلتُ ظاهر إلخ] منع للملازمات الثلاث المذكورة إلاّ أنه حذف المنعَ وأقام السند مقامه, فالحاصل أنا لا نسلِّم لزومَ الاستحالات المذكورة على تقدير أن يكون مدلول الخبر الوقوع أو اللاوقوع لأنّ كونهما مدلولي الخبر إنّما يفيد العلم بالثبوتِ أو الانتفاءِ والعلمُ بثبوتِ الشيء أو انتفائِه لا يستلزم ثبوتَه أو انتفائَه في الواقع لأنّ دلالة الألفاظ على معانيها وضعيّة يجوز التخلّف بينهما وليست بعقليّة مستلزمة للمدلول كدلالة الأثر على المُؤثِّر, فإذا قلتَ مثلاً زيد قائم دلّ على ثبوت القيام لزيد لكنه لا يستلزم تحقّقَه في الواقع لجواز أن يكون الخبر كاذباً غيرَ متحقِّق مدلولُه في الواقع فلا يلزم شيء من الملازمات الثلاث أي: لا عدمُ وقوع الشكّ من سامع في خبر يسمعه, ولا عدمُ صحّة قولنا ضرب زيد مع عدم وقوع الضرب منه, ولا تحقّقُ التناقض في الواقع إذ مبنى الجميع على أنّ العلم الحاصل من الخبر علم بما في الواقع قطعاً وليس كذلك فافهم.