يجعل في جوف جسد آخر كأنه صورة طائر فيكون في هذا الجسد الآخر كما كان في الأول وذلك مدة البرزخ إلى أن يعيد الله يوم القيامة كما خلقه وإنما الذي يستحيل في العقل قيام حياتين بجوهر واحد فيحيا الجوهر بهما جميعا وأما روحان في جسد فليس بمحال إذ لم يقل بتداخل الأجسام فهذا الجنين في بطن أمه وروحه غير روحها وقد إشتمل عليهما جسد واحد وهذا أقرب لو قيل لهم إن الطائر له روح غير روح الشهيد وهما في جسد واحد وإنما قيل في أجواف طير خضر أي في صورة طير كما نقول رأيت ملكا في صورة إنسان وهذا في غاية البيان إنتهى.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه في قوله تعالى {وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ}[1] فإن قيل الأموات كلهم كذلك فكيف خصص هؤلاء فالجواب أن الكل ليس كذلك لأن الموت عبارة.
عن أن تنزع الروح عن الأجساد لقوله تعالى {ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا}[2] أي يأخذها وافية من الأجساد والمجاهد تنقل روحه إلى طير خضر فقد إنتقل من جسد إلى آخر بخلاف غيره فإن أرواحهم تنفى من الأجساد.
قال وأما حديث كعب نسمة المؤمن إلى آخره فهذا العموم محمول على المجاهدين لأنه قد ورد أن الروح في القبر يعرض عليها مقعدها من الجنة والنار ولأنا أمرنا بالسلام على القبور ولولا أن الأرواح تدرك لما كان فيه فائدة إنتهى.
فاختار في أرواح الشهداء أنها كانت كائنة في طير لا أنها نفسها طير ويؤيده ما تقدم عن إبن عمر رضي الله عنهما وإنما تركب في جسد آخر وهو وإن كان موقوفا فله حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي وقد رأيت له شاهدا مرفوعا.