غيرَ مُعتقِدٍ كِذبٌ, والواو في قوله: ولو خطأ للحال[1] وقيل: للعطف[2] أي: لو لم يكن خطأ ولو كان خطأ, والمراد بالاعتقاد[3] الحكم الذهنيّ الجازم أو الراجح, فيعمّ العلمَ وهو حكم جازم لا يقبل التشكيك, والاعتقادَ المشهور وهو حكم جازم يقبله, والظنَّ وهو الحكم بالطرَف الراجح, فالخبر المعلوم والمعتقَد والمظنون صادق والموهوم كاذب لأنه الحكم بخلاف الطرف الراجح, وأمّا المشكوك[4] فلا يتحقّق فيه الاعتقاد لأنّ الشكّ عبارة عن تساوي الطرَفين والتردّد فيهما من غير ترجيح فلا يكون صادقاً ولا كاذباً وتثبت الواسطة, اللهُمَّ إلاّ أن يقال[5]: إذا انتفى الاعتقاد تحقّق عدَم المطابقة للاعتقاد فيكون كاذباً, لا يقال:
[1] قوله: [للحال] أي: حال كون اعتقاد المُخبِر مفروضاً خطائيّته, وإليه ذهب الزمخشريّ, قال في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ﴾ [الأحزاب:٥٢] الواو للحال والمعنى: مفروضاً إعجابُك حسنُهنّ, فكلمة لو في أمثال هذا المقام ليس للتعليق بل لمجرّد الفرض فلا تحتاج إلى الجزاء.
[2] قوله: [وقيل: للعطف] والجزاء محذوف تدلّ عليه الجملة السابقة أي: صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المُخبِر لو لم يكن الاعتقاد خطأ ولو كان خطأ فأيضاً, وهذه الشرطيّة مؤكِّدة للجملة السابقة, وإليه ذهب الجزولي, وذهب الرضي إلى أنها اعتراضيّة ويجوز الاعتراض في آخر الكلام والمقصود منه التأكيد.
[3] قوله: [والمراد بالاعتقاد إلخ] دفع لتوهّم أنّ الاعتقاد في المشهور هو الحكم الذهنيّ الجازم القابل للتشكيك فيخرج عنه العلمُ الذي هو الحكم الجازم الذي لا يقبل التشكيك والظنُّ الذي هو الحكم بالطرَف الراجح والوهمُ الذي هو الحكم بالطرَف المرجوح فيلزم الواسطة بين الصادق والكاذب وهي الخبر المعلوم والمظنون والموهوم مع أنّ النظام لا يقول بها, وحاصل الدفع أنّ المراد بالاعتقاد هنا الحكم الذهني الجازم أو الراجح سواء يقبل التشكيك أو لا, فيشمل الاعتقادُ العلمَ أي: اليقين والاعتقادَ المشهور والظنَّ فيكون الخبر المعلوم والمعتقَد والمظنون صادقاً لكونه مطابقاً للاعتقاد ويكون الخبر الموهوم كاذباً لكونه غير مطابقاً للاعتقاد فلا يلزم الواسطة.
[4] قوله: [وأمّا المشكوك إلخ] إشارة إلى الاعتراض على مذهب النظام, حاصله أنّ الخبر المشكوك ليس بصادق ولا كاذب على تفسيره للصدق والكذب لعدَم تحقّق الاعتقاد في المشكوك فإنّ الشكّ عبارة عن تساوي الطرَفين فلا يتحقّق مطابقته للاعتقاد ولا عدَمها فيلزم الواسطة وهو لا يقول بها.
[5] قوله: [اللهُمَّ إلاّ أن يقال إلخ] جواب عن الاعتراض المذكور, حاصله أن لا مُخلِص من هذا الاعتراض في وقت من الأوقات إلاّ وقت أن يقال إنّ الخبر المشكوك كاذب لأنّ الكذب عدم مطابقة الخبر لاعتقاد المُخبِر وهذا في قوّة السالبة والسالبةُ كما تصدق عند وجودِ الموضوع وسلبِ المحمول كأن يوجد الاعتقاد ولم يوجد المطابقة كذلك تصدق عند عدَم الموضوع أيضاً كأن لا يوجد الاعتقاد أصلاً فالخبر المشكوك كاذب من هذا القبيل, ووجه ضعف الجواب الذي أشار إليه الشارح أنّ المتبادر من تعميم الاعتقاد بقوله ولو خطأ هو وجود الاعتقاد في الصدق والكذب كليهما, وأنّ هذا الجواب يوهِم لجريان الكذب في الإنشاءات لعدم الاعتقاد فيها أيضاً وهو خلاف ما عليه الإجماع.