أنّ زيداً ليس في الدار وقال: زيد في الدار فكلامه خبر وهذا ظاهر, وتمسّك النظام[1] (بدليل) قوله تعالى: ﴿ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ (إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ)﴾ [المنافقون:١] فإنّه تعالى سجّل عليهم[2] بأنهم كاذبون في قولهم: إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ مع أنه مطابق للواقع, فلو كان الصدق عبارة عن مطابقة الواقع لما صحّ هذا (ورُدّ) هذا الاستدلال[3] (بأنّ المعنى لكاذبون في الشهادةِ) وادّعائِهم فيها المُواطأةَ[4]
[1] قوله: [وتمسّك النظام] إشارة إلى أنّ الجارّ والمجرور في قوله بدليل إلخ متعلِّق بـتمسّك المحذوف, إن قيل التمسّك إقامة البرهان فهو يقتضي سبق الدعوى والمذكورُ هنا هو التعريف للصدق والكذب والتعريفاتُ من قبيل التصوّرات فإطلاقُ التمسّك هنا في غير محلِّه, قيل المراد أنه تمسّك على حكم يتضمّنه التعريف وهو أنه صحيح, فإطلاق التمسّك هنا بالنظر إلى الدعوى الضمنيّ كما أنها يرد على التعريفات المنوع أيضاً بالنظر إلى الدعاوي الضمنيّة.
[2] قوله: [فإنّه تعالى سجّل عليهم إلخ] تطبيق الدليل على الدعوى أي: لأنّ الله تعالى حكم على المنافقين بأنهم كاذبون إلخ. قوله لما صحّ هذا أي: لما صحّ إطلاق الكذب على الخبر المطابق للواقع, فعلم أنّ الصدق مطابقة الخبر لاعتقاد المُخبِر والكذب عدم مطابقته له.
[3] قوله: [هذا الاستدلال] إشارة إلى أنّ ضمير قوله رُدّ راجع إلى الاستدلال, ثمّ حاصل الردّ جوابان أحدهما بالمنع وله سندان والثاني بالتسليم, تقرير الأوّل أنا لا نسلِّم أنّ التكذيب راجع إلى المشهود به لمَ لا يجوز أن يكون راجعاً إلى الشهادة باعتبار تضمّنها خبراً كاذباً أو راجعاً إلى تسميتهم هذا الخبرَ شهادةً وكما أنّ الخبر والتسمية خلاف معتقَدهم كذلك خلاف الواقع فيحتمل أن يكون التكذيب راجعاً إلى كونهما خلاف الواقع وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال, وتقرير الثاني أنا سلّمنا أنّ التكذيب راجع إلى المشهود به لكنه يرجع إليه باعتبار زعمهم الفاسد أي: إنهم يزعمون أنهم كاذبون في هذا المشهود به لكونه خلافاً للواقع.
[4] قوله: [وادّعائِهم فيها المُواطأةَ] عطف تفسير لقوله الشهادةِ, وفيه دفع لما يقال من أنّ الشهادة من قبيل الإنشاء وهو لا يحتمل الصدق أو الكذب فكيف يكون التكذيب راجعاً إليها, وحاصل الدفع أنّ التكذيب راجع إليها باعتبار تضمّنها خبراً كاذباً وهو أنّ شهادتنا هذه من صميم قلوبنا. قوله فالتكذيب راجع إلخ تفريعٌ على التفسير المذكور وتصريحٌ بما أشار إليه في التفسير.