فسمعتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ بنَ سَلُوْلَ يقول: لا تنفقوا على مَن عند رسول الله حتّى ينفضّوا مِن حوله ولو رجعنا إلى المدينة ليُخرِجنّ الأعزُّ منها الأذلَّ [1] فذكرتُ ذلك لعمّي, فذكره للنبيّ[2] صلّى الله تعالى عليه وسلّم فدعاني فحدّثتُه فأرسل رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم إلى عبد الله بن أبَيّ وأصحابه فحلفوا على أنهم ما قالوا[3] فكذّبني رسولُ الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم وصدّقه[4] فأصابني همّ لم يُصِبني مثلُه قطّ, فجلستُ في البيت فقال لي عمّي: ما أردتَ[5] إلى أن كَذَّبك رسولُ الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم ومَقَتَك, فأنزل
[1] قوله: [ليُخرِجنّ الأعزُّ منها الأذلَّ] أراد ذلك المنافق بالأعزّ المنافقين وبالأذلّ المؤمنين وذلك لما قال الله تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ﴾ [البقرة:١٠] فإنّ المريض قد يعدّ الخبيث طيِّباً والطيِّب خبيثاً.
[2] قوله: [فذكره للنبيّ] أي: فذكر عمّي ذلك القول للنبيّ صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم. قوله فأرسل رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه أي: فطلبهم فجاءوا فحلفوا إلخ.
[3] قوله: [فحلفوا على أنهم ما قالوا] أي: فحلفوا بالله, وما قالوا جواب القسم, والحالف هو عبد الله بن أبيّ كما وقع في رواية أبي الأسود: فبعث رسول الله صلّى الله تعالى عليه وآله صحبه وسلّم إلى عبد الله بن أبيّ فسأله فحلف بالله ما قال من ذلك شيئاً, والجمع هنا باعتبار من معه من المنافقين.
[4] قوله: [وصدّقه] أي: وصدّق عبدَ الله بن أبيٍّ لأنّ بناء الأحكام على الظواهر وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((البيِّنة على المدّعي واليمين على من أنكر)) فلمّا حلف ذلك المُنكِر بالله صدّقه النبيّ عليه السلام بناءً على الظاهر. قوله فأصابني همّ إلخ ولعلّه همُّ نسبة الكذب إليه أو همُّ لوم القوم إيّاه. قوله فجلستُ في البيت أي: فجلست في بيتي حزيناً مخافةَ إذ رآني الناس أن يقولوا: كذِبتَ.
[5] قوله: [ما أردتَ إلخ] أي: أيَّ شيء أردتَ بقولك الذي قلته وما حَمَلك عليه حتّى أدّى ذلك إلى تكذيبِ رسول الله وبغضِه إيّاك, فـما استفهاميّة وأردتَ بصيغة الخطاب وأنْ مصدريّة ومَقَتَك عطف على كذّبك, وهذا توبيخ لزيد من جانب عمّه, ويجوز أن تكون ما نافية وأردتُ بصيغة المتكلِّم, فيكون المقصود من هذا القول تسلية له. قوله ومَقَتَك من مَقَتَه مقتاً إذا أبغضه بغضاً.