الله تعالى ﴿إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ﴾ فبعث إليّ النبيّ[1] عليه السلام فقرأ فقال: ((إنّ الله صدّقك يا زيد)) (الجاحظ) أَنكَر انحصار الخبر[2] في الصدق والكذب وأَثبَت الواسطة, وتحقيق كلامه[3] أنّ الخبر إمّا مطابق للواقع أو لا وكلّ منهما إمّا مع اعتقادِ أنه مطابق أو اعتقادِ أنه غير مطابق أو بدون الاعتقاد, فهذه ستّة أقسام, واحد منها صادق وهو المطابق للواقع مع اعتقادِ أنه مطابق, وواحد كاذب وهو غير المطابق مع اعتقادِ أنه غير مطابق, والباقي ليس بصادق ولا كاذب, فعنده صدق الخبر (مطابَقته) للواقع[4] (مع الاعتقاد) بأنه مطابق[5]
[1] قوله: [فبعث إليّ النبيّ] أي: فطلبني النبيّ عليه الصلاة والسلام فقرأ عليّ ما أنزل الله عليه من ذلك وقال بعد القرأة: إنّ الله صدّقك يا زيد أي: فيما قلته.
[2] قوله: [أَنكَر انحصار الخبر إلخ] هذا ابتداء كلام من الشارح بياناً لمذهب الجاحظ وتحقيقاً له, وليس بإشارة إلى أنّ الجاحظ مبتدأ وخبره محذوف وهو أنكر انحصار الخبر إلخ إذ فيه تكلّف كثير في المتن لعدم دلالته على هذا الحذف, بل تقدير المتن: وقال الجاحظ مطابقته إلخ.
[3] قوله: [وتحقيق كلامه إلخ] بيانٌ لأقسام الخبر على مذهب الجاحظ بأنها كلّها ستّة واحد منها صادق وواحد منها كاذب والأربعة الباقية ليست بصادقة ولا كاذبة, وإنّما جاء الشارح بتحقيق كلامه لأنّ المفهوم من ظاهر عبارة "الإيضاح" أنّ الأقسام أربعة حيث قال في تقرير مذهب الجاحظ: الحكم إمّا مطابق للواقع مع اعتقادِ المُخبِر أو عدَمِه وإمّا غير مطابق له مع الاعتقادِ أو عدَمِه فالأوّل هو الصادق والثالث هو الكاذب والثاني والرابع كلّ منهما ليس بصادق ولا كاذب, فغرض هذا التحقيق إمّا الردُّ على ما يفهم من ظاهر عبارة "الإيضاح" أو الإشارةُ إلى أنّ كلاًّ من الثاني والرابع فيها يشمل قسمين لأنّ عدم اعتقاد المطابقة إمّا بانتفاء نفس الاعتقاد أو بانتفاء تعلقّه بالمطابقة.
[4] قوله: [للواقع] فيه إشارة إلى أنّ ضمير مطابقته راجع إلى الخبر لا إلى الواقع ليصحّ حمله على صدق الخبر ولئلاّ ينفكّ نظم الكلام لأنّ ضمير مطابقته في تقرير المذهبين الأوّلين راجع إلى الخبر باعتبار حكمه, وفيه ردّ على من جوّز رجوعَه إلى الواقع.
[5] قوله: [بأنه مطابق] إشارة إلى أنّ متعلِّق الاعتقاد محذوف, وإلى أنّ قوله مع الاعتقاد حال من ضمير مطابقته لا من المطابقة لئلاّ يلزم وقوع الحال عن خبر المبتدأ فإنّ التقدير: صدق الخبر مطابقته إلخ, ولا يجوز أن يكون متعلِّقاً بالمطابقة إذ المطابقة متعدِّية بنفسها إلى المفعول وقد يزاد اللام لتقوية العمل, ولا يقال: طابق معه.