المطابقة فليتأمل لئلاّ يتوهّم[1] أنَّ هذا اعتراف بكون الصدق والكذب باعتبار مطابقة الاعتقاد وعدمها فبين المعنيين[2] بُونٌ بعيد, فظهر بما ذكرنا[3] فساد ما قيل: إنّ الجواب الحقيقي منع كون التكذيب راجعاً إلى قولهم: إنك لرسول الله والوجوه الثلاثة لبيان السند, واعلم أنّ ههنا وجهاً آخر[4] لم يذكره القوم وهو أن يكون التكذيب راجعاً إلى حلفِ المنافقين وزعمِهم أنهم لم يقولوا: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضّوا من حوله لما ذكر في "صحيح البخاريّ" عن زيد بن أرقم أنه قال: كنت في غزاة[5]
[1] قوله: [فليتأمّل لئلاّ يتوهّم إلخ] منشأ التوهّم هو قول المصـ أو في المشهود به في زعمهم لأنه يُوهِم أنّ الكذب في المشهود به لعدم مطابقته لزعمِهم واعتقادِهم, ودفع التوهّم أنّ المراد أنّ الكذب في المشهود به لعدم مطابقته للواقع بحسب زعمِهم واعتقادِهم فيكون كاذباً عندهم لا مطلقاً.
[2] قوله: [فبين المعنيين إلخ] أي: لأنّ بين عدَم المطابقة للاعتقاد وبين عدم المطابقة للواقع في الاعتقاد مسافة بعيدة وكذبُ المشهود به بالمعنى الثاني الذي هو عدم المطابقة للواقع لا بالمعنى الأوّل الذي هو عدم المطابقة للاعتقاد. قوله بُونٌ بعيد البون بضمّ الباء وفتحها المسافة بين الشيئين.
[3] قوله: [فظهر بما ذكرنا إلخ] أي: ما ذكرنا من أنّ قوله أو في المشهود به في زعمهم جواب على تقدير تسليم رجوع التكذيب إلى المشهود به ظهر به فساد ما قيل إلخ وذلك لأنه قد ظهر بما ذكره الشارح أنّ ههنا جوابين الجواب الأوّل منع رجوع التكذيب إلى المشهود به وله سندان وهما احتمال رجوعه إلى الشهادة واحتمال رجوعه إلى التسمية, والجواب الثاني على تقدير تسليم رجوعه إليه, فليست الوجوه الثلاثة أسانيد لمنع واحد كما قيل, وإنّما قيّد الجواب بالحقيقيّ لأنه في الظاهر ثلاثة أجوبة.
[4] قوله: [واعلم أنّ ههنا وجهاً آخر إلخ] جوابٌ آخر عن استدلال النظام من جانب الشارح, حاصله أنّ التكذيب راجع إلى حلف المنافقين على أنهم لم يقولوا لا تنفقوا على من عند رسول الله إلخ. قوله لم يذكره القوم إن قيل قد ذكره الإمام الرازيّ في "التفسير الكبير" فكيف يصحّ قوله هذا, قيل المراد أنه لم يذكره القوم في الجواب عن استدلال النظام لا أنه لم يذكره أحد في بيان معنى الآية.
[5] قوله: [كنت في غزاة] أي: غزوة وهي غزوة تبوك أو غزوة بني المصطلق. قوله عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ وهو رئيس المنافقين, وأُبَيّ اسم أبيه وسَلُوْل اسم أمّه غير منصرف للتعريف والتأنيث, فهو منسوب إلى الأبوين. قوله حتّى ينفضّوا أي: يتفرّقوا. قوله فذكرت ذلك لعمّي أي: فذكرت الذي قاله ابنُ أبيٍّ لعمّي وهو سعدُ بن عُبادة وهو ليس عمَّه حقيقة وإنّما هو سيِّد قومه الخزرج, أو ثابتُ بن قيس وهو عمّه الحقيقيّ, أو عبدُ الله بن رَواحة وهو عمُّه المجازيّ لأنّ زيداً كان في حجره وهو خزرجيّ أيضاً.