الأحوال لأنه عبارة عن عدَم الإتيان به وهو متقدِّم على الإتيان لتأخّر وجود الحادث عن عدَمه, والحذْف يَفتقِر[1] إلى أمرَين أحدهما قابليّة المقام وهو أن يكون[2] السامع عارفاً به لوجود القرائن, والثاني الداعي المُوجِب لرُجْحان الحذف على الذكر, ولمّا كان الأوّل[3] معلوماً مقرَّراً في علم النحو أيضاً دون الثاني قَصَد إلى تفصيل الثاني مع إشارةٍ مّا ضمنيّةٍ إلى الأوّل فقال: (فللاحترازِ عن العبث) إذ القرينة دالّة عليه فذكره عبث لكن لا بناءً على الحقيقة وفي نفس الأمر بل (بناءً على الظاهر[4]) وإلاّ فهو في الحقيقة الركن الأعظم من
[1] قوله: [والحذْف يَفتقِر إلخ] أي: والحذف الذي نحن فيه وهو ما يكون منويًّا في التقدير يفتقر إلخ لا الحذف الذي يكون نَسْياً مَنسِيًّا كحذف فاعلِ المصدر وفاعلِ الفعل المبنيّ للمفعول فإنه لا يحتاج إلى القرينة لعدم كونه مراداً, وغرض هذا الكلام دفع لما يقال من أنّ الحذف لا بدّ له من نُكتتَين: مُصحِّحةٍ للحذف وهي صلاحيّة المقام له, ومُرجِّحةٍ للحذف على الذكر وهي الداعي المُوجِب لرجحان الحذف على الذكر والمصـ خصّ الثانية بالذكر وترك الأولى, وحاصل الدفع غنيّ عن البيان.
[2] قوله: [وهو أن يكون إلخ] تفسير لقابليّة المقام, وتذكير الضمير للقابليّة باعتبار أنها أحد الأمرين وباعتبار أنها عبارة عن كون المقام قابلاً. قوله لوجود القرائن أي: لوجود القرينة الدالّة على المحذوف إمّا بخصوصه أو باعتبار كونه أحد الأشياء المُعيَّنة كما في الحذف ليذهب نفس السامع كلَّ مذهب مُمكِن.
[3] قوله: [ولمّا كان الأوّل إلخ] اعتذار عن اقتصار المصـ على تفصيل الأمر الثاني من الأمرَين اللذَين لا بدّ للحذف منهما. قوله مع إشارةٍ مّا ضمنيّةٍ إلى الأوّل كما في قوله هنا: فللاحتراز عن العبث فإنه مُشعِر بوجود القرينة عند الحذف, فقول الشارح: إذ القرينة دالّة عليه إلخ تعليلٌ للزوم العبث على تقدير الذكر وإشارةٌ إلى إشعاره بوجود القرينة. قوله وفي نفس الأمر تفسير لقوله بناءً على الحقيقة.
[4] قال: [بناءً على الظاهر] حال عن العبث أي: حال كون العبث مبنيًّا على ما هو الظاهر من إغناء القرينة الدالّة عليه عن ذكره لا على الحقيقة وفي نفس الأمر. قوله وإلاّ فهو إلخ أي: وإن لم يُبنَ على الظاهر فالمسند إليه الركن الأعظم من الكلام والعمدة فيه فلا يكون ذكره عبثاً على الحقيقة ولو قامت القائمة.