وإنّما قال: تخييل [1] لأنّ الدالّ عند الحذف أيضاً هو اللفظ المدلول عليه بالقرائن والاعتماد[2] في دلالة اللفظ بالآخِرة إلى العقل فلا عند الذكر يكون الاعتماد بالكليّة على اللفظ ولا عند الحذف على العقل (كقوله: قَالَ لِيْ كَيْفَ أَنْتَ قُلْتُ عَلِيْل [3]) لم يقل: أنا عليل للاحتراز والتخييل المذكورَين (أو اختبارِ تنبّه السامع عند القرينة) هل يتنبّه أم لا[4] (أو) اختبار[5] (مقدار تنبّهه) هل يتنبّه بالقرائن الخفيّة أم لا (أو إيهامِ صونه) أي: المسند
[1] قوله: [وإنّما قال: تخييل إلخ] بيانٌ لفائدة العبارة, يعني أنّ المتحقِّق في الواقع هو التخييل لا العدول لأنه يتوقّف على أن يكون كلٌّ من العقل واللفظ مستقلاًّ في الدلالة وليس كذلك لأنّ الدالّ عند الحذف أيضاً هو اللفظ فإنّ القرائن إنّما تدلّ على لفظ المسند إليه ثمّ اللفظ يدلّ على المسند إليه, ولهذا لم يقل: أو للعدول إلخ بل قال أو لتخييل العدول إلخ أي: أو لإيقاع المتكلِّم في خيال السامع أنه عدل إلى أقوى إلخ, وفائدة هذا التخييل أنه يُوجِب نشاطَ السامع وتوجّهَ عقله نحوَ المسند إليه زيادةَ توجّهٍ.
[2] قوله: [والاعتماد إلخ] يعني أنّ اللفظ المدلول عليه بالقرائن في صورة الحذف أيضاً لا يستقلّ بالدلالة بل لا بدّ من دليل العقل كما في صورة الذكر. قوله بالآخِرة أي: بالساعة الآخِرة, وفي بعض النُسخ: بالأخْرَة على وزن الثمْرَة بمعنى أخيراً يقال: ما عرفت إلاّ بأخْرَة أي: أخيراً. قوله فلا عند الذكر إلخ أي: وإذا احتاج كلّ من اللفظ والعقل إلى الآخَر في الصورتين فلا يكون الاعتماد بالكليّة على اللفظ عند الذكر ولا على العقل عند الحذف فلا يتحقّق عند الحذف العدولُ بل مجرّدُ تخييل العدول.
[3] قال: [قُلْتُ عَلِيْل] تمامه: سَهْرٌ دَائِمٌ وَحُزْنٌ طَوِيْل, فقوله عَلِيْل خبر مبتدأ محذوف تقديره: أنا عليل وفيه الشاهد, وإليه أشار الشارح بقوله لم يقل إلخ. قوله للاحتراز والتخييل في ذكر الواو إشارة إلى أنّ أو في قول المصـ أو تخييلِ العدول إلخ لمنع الخلو لا لمنع الجمع.
[4] قوله: [هل يتنبّه أم لا] نحو نوره مستفاد من نور الشمس, وفيه أنّ أَمْ المتّصلةَ لكونها لطلب التصوّر لا تعادل لـهَلْ لأنها لطلب التصديق, وجوابه أنّ العبارة بحذف همزة الاستفهام والأصل: أهل يتنبّه أم لا وتكون هَلْ بمعنى قَدْ كما في قوله تعالى: ﴿هَلۡ أَتَىٰ عَلَى ٱلۡإِنسَٰنِ حِينٞ مِّنَ ٱلدَّهۡرِ﴾ [الدهر:١] فلا يلزم دخول الاستفهام على مثله, أو يقال إنّ أمْ منقطعة فيكون المعنى: هل يتنبّه أم لا يتنبّه, على أنّ أم المتّصلة تجيء مع هَلْ على قلّة كما في "الرضي".
[5] قوله: [اختبار] إشارةٌ إلى أنّ قوله مقدارِ تنبّهه عطف على قوله تنبّه السامع ودفعٌ لتوهّم عطفه على قوله اختبارِ. قوله هل يتنبّه بالقرائن الخفيّة أم لا نحو: واسطة عقد الكواكب أي: القمر.