رَمْيَةٌ مِنْ غَيْرِ رَامٍ [1] و شِنْشِنَةٌ[2] أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَم أو على ترك نظائره[3] كما في الرفع على المدح أو الذمّ أو الترحّم فإنهم لا يكادون يذكرون فيه المبتدأ نحو: الحمدُ للهِ أهلُ الحمد بالرفع, ومنه قولهم[4] بعدَ أن يذكروا رجلاً: فتًى من شأنه كذا وكذا , وبعدَ أن يذكروا الديار والمنازل: رَبْعٌ كذا وكذا , وهذه طريقة مستمرّة عندهم, وقد يكون[5]
[1] قوله: [رَمْيَةٌ مِنْ غَيْرِ رَامٍ] أي: هذه رمية مصيبة من غير رام مصيب, فيترك فيه المسند إليه في المَضرَب لاتّباع تركه في المَورِد, وأوّل من قاله الحكم بن عبد يغوث وكان من أرمى الناس ونذر أنه يذبِّح مهاة على غَبْغَب وهو جبل من بلاد طي, وكلمّا رمى أخطأ ولم يمكنه ذلك أيّاماً, ثمّ ابنه مطعم خرج معه إلى المَصيد فرمى الحكم مهاتين فأخطأهما فلمّا عرضت الثالثة رماها مطعم فأصابها وكان إذ ذاك لا يُحسِن الرمي فقال الحكم: رمية من غير رام, ثمّ صار مثلاً يضرب لصدور الفعل من غير أهله.
[2] قوله: [شِنْشِنَةٌ إلخ] أي: هذه شِنشنة إلخ, فيترك فيه المسند إليه في المَضرَب لاتّباع تركه في المَورِد, وأصله أنّ أبا أخزم الطائي كان ابنه أخزم عاقًّا فمات أخزم وترك بنين فوثبوا على أبي أخزم فضربوه وجرحوه فقال أبو أخزم: إنَّ بَنِيَّ زَمَلُوْنِيْ بِالدَّمِ * وَشِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَم, قوله زملوني أي: لطخوني, والشِنشنة العادة الغالبة, والمعنى: أنّ بنيّ ضربوني ولطخوني بالدم وليست هذه طبيعة حدثت فيهم بل انتقلت إليهم من أبيهم أخزم, ثمّ صار المصراع الثاني مثلاً يُضرَب في قرب الشَبَه في الخُلُق.
[3] قوله: [أو على ترك نظائره] أي: أو كاتّباع الاستعمال الوارد على الترك في نظائره, والفرق بين الاتّباعين أنّ في الأوّل يكون الكلام في الاستعمالين واحداً سواء كان الاستعمال قِياسيًّا أو لا وفي الثاني يكون الكلام الثاني غيرَ الأوّل ولا بدّ له أيضاً من أن يكون قِياسيًّا. قوله كما في الرفع على المدح نحو بسم اللهِ الرحمنُ الرحيمُ وهو إنّما يجوز لغةً لا قراءةً. قوله أو الذمّ مثل أعوذ بالله من الشيطنِ الرجيمُ. قوله أو الترحّم نحو مررتُ بزيدٍ المسكينُ. قوله الحمد لله أهلُ الحمد أي: هو أهلُ الحمد.
[4] قوله: [ومنه قولهم إلخ] إنّما فصله لأنه ليس من النعت المقطوع بخلاف ما قبله, ولأنّ الحذف هنا جائز وفيما قبله واجب. قوله فتى من شأنه إلخ مثال للرفع على المدح أو الذمّ أي: هو فتى من شأنه الصفات الحميدة أو الذميمة. قوله رَبْعٌ كذا وكذا مثال للرفع على الترحّم أي: هذا رَبْعٌ إلخ, والرَبْع الموضع. قوله وهذه طريقة إلخ أي: وحذف المسند إليه في هذه المواضع طريقة مستمرّة عند العرب.
[5] قوله: [وقد يكون إلخ] أي: وقد يكون المحذوف من غير ضرورة هو الفاعل الاصطلاحيّ للفعل. قوله وحينئذٍ يجب إلخ أي: وحين إذ حذف الفاعل الاصطلاحيّ للفعل من غير ضرورة يجب إسناد الفعل إلى المفعول فلا يجب الإسناد إلى المفعول في مثل اِضْرِبُنَّ وأنبت الربيعُ البقلَ لأنّ حذف الفاعل في الأوّل لضرورة التقاء الساكنين والمحذوف في الثاني هو الفاعل الحقيقيّ لا الاصطلاحيّ.