الشامل للشمس والذهب وغير ذلك, فصحّ[1] أنّ تفسير الفصاحة والبلاغة على هذا الوجه ممّا لَم يجده في كلام الناس لكنه أخذه من إطلاقاتهم واعتباراتهم, وحينئذٍ لا يتوجّه الاعتراضُ على قوله: لم أجد في كلام الناس ما يصلح لتعريفهما به [2] بأنه لا مدخل للرأي في تفسير الألفاظ, ولا يحتاج إلى أن يجاب عنه بأنّ المراد بالنّاس النّاسُ المعهودون, ثُمّ لمّا كانت[3] معرفة البلاغة موقوفة على معرفة الفصاحة لكونها مأخوذة في تعريف البلاغة وجب تقديمها, ولهذا بعينه[4] وجب تقديم فصاحة المفرد (فالفصاحة) الكائنة[5]
[1] قوله: [فصحّ إلخ] أي: فلمّا كان تقسيمُ كلّ من الفصاحة والبلاغة أوّلاً ثمّ تعريفُ كلّ من أقسامهما بعبارة مضبوطة جامعة مانعة من جانب المصـ خاصّة آخِذاً من إطلاقات القوم صحّ أنّ تفسير الفصاحة والبلاغة على هذا الوجه المخصوص ممّا لم يجده في كلام الناس, والغرض من هذا الكلام دفع ما أورده خطيب مصر على المصـ حالَ حياته من أنه لا مدخل للرأي في تفسير الألفاظ, وأجاب عنه المصـ بأنّي أردت بالناس الناسَ المعهودين كالسكّاكي وعبد القاهر وغيرهما من المَهَرة المشتهرين.
[2] قوله: [ما يصلح لتعريفهما به] أي: ما يصلح أن يعرَّف به الفصاحة والبلاغة. قوله بأنه لا مدخل إلخ تصوير للاعتراض. قوله ولا يحتاج إلخ ردّ لما أجاب عنه به المصـ كما عرفتَ آنفاً.
[3] قوله: [ثمّ لمّا إلخ] دفع لما يرد على المصـ من أنّ البلاغة أشرف من الفصاحة فتقديم الفصاحة عليها ترجيح بلا مرجِّح بل ترجيح المرجوح, وحاصل الدفع أنه لمّا كان بصدد التعريف وكانت معرفة البلاغة موقوفة على معرفة الفصاحة لكون الفصاحة مأخوذة في تعريفها قدّمها عليها نظراً إلى التوقّف.
[4] قوله: [ولهذا بعينه إلخ] دفع لما يرد على المصـ من أنّ الفصاحة في الكلام والمتكلِّم أشرف من الفصاحة في المفرد فتقديم الفصاحة في المفرد عليها ترجيح المرجوح, وحاصل الدفع أنه لمّا كان بصدد التعريف وكانت معرفة الفصاحة في الكلام والمتكلِّم موقوفة على معرفة الفصاحة في المفرد لكون الفصاحة في المفرد مأخوذة في تعريفها قدّمها عليها نظراً إلى التوقّف, ومن ههنا علم وجه تقديم الفصاحة في الكلام على الفصاحة في المتكلِّم ووجه تقديم بلاغة الكلام على بلاغة المتكلِّم.
[5] قوله: [الكائنة] إشارة إلى أنّ قوله في المفرد ظرف مستقرّ صفة لـالفصاحة. قوله أي: المستنبط إلخ إشارة إلى أنه ليس المراد بالقياس اللغَويّ القياس في اللغة الذي هو إلحاق شيء بشيء بجامع بينهما كإلحاق النبيذ بالخمر في الإسكار, بل المراد القياس الذي منشؤه استقراء اللغة وهو القياس الصرفي.