عنوان الكتاب: تنبيه القلوب من عواقب المعاصي والذنوب

وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَقْبَرَةِ أَحَدٌ غَيْرِي، فَإِذَا أَنَا أَسْمَعُ التَّأَوُّهَ الْعَظِيمَ وَالْأَنِينَ الْفَظِيعَ بِآهْ آهْ آهْ، وَهَكَذَا بِصَوْتٍ أَزْعَجَنِي مِنْ قَبْرٍ مَبْنِيٍّ بِالنُّورَةِ وَالْجِصِّ لَهُ بَيَاضٌ عَظِيمٌ، فَقَطَعْتُ القِرَاءَةَ وَاسْتَمَعْتُ فَسَمِعْتُ صَوْتَ ذَلِكَ العَذَابِ مِنْ دَاخِلِهِ، وَذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُعَذَّبُ يَتَأَوَّهُ تَأَوُّهًا عَظِيمًا بِحَيْثُ يُقْلِقُ سَمَاعُهُ الْقَلْبَ وَيُفْزِعُهُ، فَاسْتَمَعْتُ إلَيْهِ زَمَنًا، فَلَمَّا وَقَعَ الْإِسْفَارُ خَفِيَ حِسُّهُ عَنِّي، فَمَرَّ بِي إنْسَانٌ فَقُلْتُ: قَبْرُ مَنْ هَذَا؟

قَالَ: هَذَا قَبْرُ فُلَانٍ، لِرَجُلٍ أَدْرَكْتُهُ وَأَنَا صَغِيرٌ.

وَكَانَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ مُلَازَمَةِ الْمَسْجِدِ وَالصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا وَالصَّمْتِ عَنِ الكَلَامِ، وَهَذَا كُلُّهُ شَاهَدْتُهُ وَعَرَفْتُهُ مِنْهُ، فَكَبُرَ عَلَيَّ الْأَمْرُ جِدًّا لِمَا أَعْلَمُهُ مِنْ أَحْوَالِ الْخَيْرِ الَّتِي كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُتَلَبِّسًا بِهَا فِي الظَّاهِرِ، فَسَأَلْتُ وَاسْتَقْصَيْتُ الَّذِينَ يَطَّلِعُونَ عَلَى حَقِيقَةِ أَحْوَالِهِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الرِّبَا، فَإِنَّهُ كَانَ تَاجِرًا ثُمَّ كَبِرَ وَبَقِيَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ الْحُطَامِ، فَلَمْ تَرْضَ نَفْسُهُ الظَّالِمَةُ الْخَبِيثَةُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ جَنْبِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ بَلْ سَوَّلَ لَهُ الشَّيْطَانُ مَحَبَّةَ الْمُعَامَلَةِ بِالرِّبَا حَتَّى لَا يَنْقُصَ مَالُهُ، فَأَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ حَتَّى فِي رَمَضَانَ حَتَّى فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[1].

أيها الأحبَّة الكرام! هذه عاقبةٌ وخيمةٌ للعصيان، فليَعتبِر مِن هذه القصّة الناسُ الذين يظهرون أمام النّاس بالصلاح والتقوى ويُصلّون


 

 



[1] "الزواجر عن ارتكاب الكبائر"، مقدمة في تعريف الكبيرة، ١/٣٢.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

31