بل هو مشهور في كلامهم, وكفاك قول الجاحظ: وإنّما الشِعر صِياغة وضَرْب من التصوير , هذا نَبْذ ممّا ذكره الشيخ[1] ثُمّ إنه[2] شدّد النكير على من زعم أنّ الفصاحة من صفات الألفاظ المنطوقة وبلغ في ذلك كلّ مَبلغ[3] وقال سبب الفساد عدم التمييز بين ما هو وصف للشيء في نفسه وبين ما هو وصف له من أجل أمر عرض في معناه, فلم يعلموا[4] أنا نعني الفصاحة التي تجب للفظ لا من أجل شيء يدخل في النطق بل من أجل لطائف تدرك بالفهم بعد سلامته[5] من اللَحْنِ في الإعراب والخطاءِ في الألفاظ,...........................
[1] قوله: [هذا نَبْذ ممّا ذكره الشيخ] إشارة إلى أنّ الشيخ صرّح في كثير من المواضع بما ذكرنا من إطلاق اللفظ على المعنى الأوّل الدالّ على المعنى الثاني, وما ذكرنا هنا قليل منها وفيه كفاية.
[2] قوله: [ثمّ إنه إلخ] كان غرض الشارح من نقل كلامه بيان أمور ثلاثة أحدها أنّ الشيخ قائل بأنّ فضيلة الكلام في المعنى الأوّل الدالّ على المعنى الثاني لا في المعنى الثاني, والثاني أنّ اللفظ إذا وُصِف بما يدلّ على التفخيم كالفصاحة مثلاً يراد به المعنى الأوّل المذكور, والثالث أنّ اللفظ المنطوق ليس يتّصف بتلك الفضائل, وقد بيّن الأمرين الأوّلين فيما مرّ, والآن يبيِّن الثالث بقوله ثمّ إنه إلخ.
[3] قوله: [وبلغ في ذلك كلّ مَبلغ] كناية عن النهاية. قوله سبب الفساد أي: سبب الفساد في جعل الفصاحة صفة للفظ المنطوق. قوله عدم التميّيز إلخ يعني أنّ الزاعمين لمّا رأوا إجراءَ الفصاحة على اللفظ فهموا أنها وصف له في نفسه وليس كذلك لأنها وصف له من أجل أمر عرض في معناه على طريقة الوصف بحال المتعلِّق, أو المراد أنهم لم يميِّزوا بين الفصاحة بالمعنى المشهور التي هي صفة للفظ في نفسه وبين الفصاحة بمعنى البلاغة التي هي صفة للمعنى الأوّل الدالّ على المعنى الثاني فألبسوا الثانية بالأولى وجعلوها صفة للفظ.
[4] قوله: [فلم يعلموا إلخ] أي: فلم يعلموا أنّ مرادَنا بالفصاحة التي ننكر كونها صفة للفظ المنطوق هي الفصاحة التي تتحقّق في اللفظ من أجل لطائف تُدرَك بالفهم وهي المعاني الأوَل المصوَّرة بصورة مخصوصة تدلّ بها على المعاني الثواني فهي صفة للمعاني الأوَل قطعاً لا للفظ المنطوق أصلاً.
[5] قوله: [بعد سلامته] أي: سلامة اللفظ. قوله من اللَحْنِ في الإعراب إلخ شامل لسائر الأمور المُخِلّة بالفصاحة كمخالفةِ القوانين الصرفيّة والنحويّة والتعقيدِ والغرابةِ والتنافرِ, ففيه إشارة إلى اعتبار الفصاحة في البلاغة.