وهو أن يرتقي[1] الكلام في بلاغته إلى أنْ يخرجَ عن طوق البشر ويعجزَهم عن معارَضته, فإنْ قيل[2] ليست البلاغة سوى المطابقة لمقتضى الحال مع الفصاحة وعلم البلاغة كافل بإتمام هذين الأمرين[3] فمن أتقنه وأحاط به لِم لا يجوز أن يراعيهما حقَّ الرعاية فيأتي بكلام هو في الطرف الأعلى من البلاغة ولو بمقدار أقصر سورة, قلنا[4] لا يُعرَف بهذا العلم إلاّ أنّ هذه الحال تقتضي ذلك الاعتبار مثلاً وأمّا الاطّلاعُ[5] على كميّةِ الأحوال وكيفيّتِها ورعايةُ الاعتبارات بحسَب المقامات فأمر آخَر, ولو سُلِّم[6] فإمكان الإحاطة بهذا العلم
[1] قوله: [أن يرتقي إلخ] هذا معنى الإعجاز عند علماء البيان كما هو المختار وإلاّ فالإعجاز أن يخرج الكلام عن طوق البشر ولذا اختلف في وجه إعجاز القرآن فقيل إعجازه لنظمه وقيل لمعانيه وقيل لإخباره عن المغيبات وقيل لأسلوبه الغريب وقيل لصرف العقول عن معارضته.
[2] قوله: [فإن قيل إلخ] هذا السؤال استفسار محض كما يدلّ عليه قوله لِم لا يجوز إلخ وقوله ليست البلاغة إلخ بيان لمنشأ الاستفسار أي: إذا كانت البلاغة عبارة عن كون الكلام مطابقاً لمقتضى الحال مع فصاحته وكان علم البلاغة كافلاً بإتمام هذين الأمرين فكيف يمكن ارتقاء كلام إلى أن يخرج عن طوق البشر ويعجزهم عن معارَضته.
[3] قوله: [كافل بإتمام هذين الأمرين] فإنّ علم المعاني كافل بالمطابقة وعلم البيان كافل بالخلوص عن التعقيد المعنويّ, وما عدا ذلك من الأمور المعتبرة في البلاغة لا تعلّق له بارتقاء الكلام في البلاغة.
[4] قوله: [قلنا إلخ] منع للمقدِّمات التي ذكرها المستفسر على الترتيب, فقوله لا يعرف بهذا العلم إلخ منع لكفاية علم البلاغة في إتمام الأمرين, وقوله فإمكان الإحاطة إلخ منع لحصول إتقانه والإحاطة به للبشر, وقوله وكثير من مَهَرَة هذا الفنّ إلخ منع لترتّب الرعاية على الإتقان والإحاطة.
[5] قوله: [وأمّا الاطّلاع إلخ] أي: وأمّا معرفةُ عدد الأحوال ومعرفةُ كيفيّتها في الشدّة والضعف ورعايةُ الاعتبارات بحسَب المقامات التي يتوقّف عليها الإتيان بكلام هو في الطرف الأعلى فأمر آخر لا تعلّق له بعلم البلاغة ولا يستفاد ذلك منه.
[6] قوله: [ولو سُلِّم إلخ] أي: ولو سلِّم كفالة علم البلاغة بالاطّلاع المذكور لا نسلِّم حصول الإتقان والإحاطة به للبشر. قوله كما مرّ أي: تحت قوله إذ به يكشف عن وجوه الإعجاز إلخ من أنه لا يمكن بيان وجه الإعجاز وإدراكه بحقيقته لامتناع الإحاطة بهذا العلم لغير علاّم الغيوب.