على خلاف ما صرّح به وأريد بها بلاغة المتكلّم لأنّ غاية ما عُلِم ممّا تقدّم هو أنّ بلاغة المتكلّم تفيد هذين الأمرين[1] أو تتوقّف عليهما[2] ولم يُعلَم أنهما غرضٌ منها وغايةٌ لها, فالرجوع إلى الحقّ خير[3] فالحاصل أنّ البلاغةَ[4] ترجع إلى هذين الأمرين والاقتدارَ عليها يتوقّف على الاتّصاف بهذين الوصفين وهو أمر يتحصّل ويكتسب من علوم متعدّدة بعد سلامة الحسّ فمرجع البلاغة إلى تلك العلوم جميعاً لا إلى مجرّد المعاني والبيان, وأمّا تحقيق قوله (والثاني) أي: تمييز الفصيح من غيره[5] يعني معرفة أنّ هذا الكلام فصيح وذلك غير فصيح فهو أنه مركّب[6] أجزاؤه تمييزُ السالم من الغرابة عن غيره أي: معرفة
[1] قوله: [تفيد هذين الأمرين] وذلك لأنه يستفاد من تعريفِ بلاغة الكلام المتقدِّمِ أنّ بلاغة المتكلِّم مفيدة لتأليف الكلام البليغ وتأليف الكلام البليغ إنّما يحصل بالاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد وبتمييز الكلام الفصيح من غيره فيعلم أنّ بلاغة المتكلِّم مفيدة لهذين الأمرين لا أنهما غرض منها.
[2] قوله: [أو تتوقّف عليهما] وذلك لأنّ بلاغة المتكلِّم عبارة عن الملَكة ومعلوم أنّ ملَكة كلّ علم إنّما تحصل بممارَسته إذا لم تكن جبلّيّة, فملَكة الاقتدار على تأليف الكلام البليغ إنّما تحصل بتكرّر التأليف وهو موقوف على الاحتراز والتمييز فيعلم أنّ بلاغة المتكلِّم تتوقّف على هذين الأمرين لا أنهما غاية لها وغرض منها, وبالجملة لا يصحّ تفسير مرجع البلاغة هنا بالعلّةِ الغائيّة لها والغرضِ منها.
[3] قوله: [فالرجوع إلى الحقّ خير] أي: إذا بطل تفسير مرجع البلاغة بالعلّةِ الغائيّة لها والغرضِ منها فالرجوع إلى الحقّ وهو تفسيره بالموقوف عليه لها كما ذكرنا خير.
[4] قوله: [فالحاصل أنّ البلاغة إلخ] أي: فحاصل ما ذكره في التفريع أنّ بلاغة الكلام تتوقّف على هذين الأمرين من الاحتراز والتمييز وأنّ الاقتدار على بلاغة الكلام يتوقّف على الاتّصاف بهذين الوصفين فيكون مرجع بلاغة المتكلِّم أيضاً إلى هذين الأمرين بالواسطة. قوله وهو أي: والاتّصاف بهذين الوصفَين.
[5] قوله: [أي: تمييز الفصيح من غيره] تعيين المراد بالثاني. قوله يعني معرفة أنّ هذا الكلام إلخ بيان للمراد بتمييز الفصيح من غيره أي: ليس المراد التمييز الفعليّ بين الفصيح وغيره بل المراد التمييز العلميّ بين الفصيح وغيره لأنّ بلاغة الكلام إنّما تتوقّف على هذا لا على ذاك.
[6] قوله: [فهو أنه مركَّب إلخ] جواب أمّا, وغرض هذا التحقيق دفع ما يرد على تقسيم تمييز الفصيح من غيره بقوله منه ما يبيَّن في علم متن اللغة أو التصريف إلخ من أنّ التمييز بسيط غير ذي أجزاء فلا يصحّ هذا التقسيم, وحاصل الدفع أنّ التمييز وإن كان بسيطاً لكنه لإضافته إلى الفصيح صار مركَّباً من خمس تمييزات أو سبع تمييزات بعدد المُخِلاّت بالفصاحة. قوله أجزاؤه تمييزُ السالم من الغرابة عن غيره صفة لقوله مركَّب وقوله وتمييزُ السالم من المخالفة إلخ عطف على تمييزُ إلخ.