عنوان الكتاب: المطول مع حاشية المؤول

عن التعقيد ليتمّ أمر البلاغة, فوضعوا لذلك علمي المعاني والبيان وسمَّوهما علمَ البلاغة لمكان مزيد اختصاص لهما بها[1] وإلى هذا أشار بقوله (وما يحترز به عن الأوّل) يعني الخطأ في التأدية[2] (علم المعاني) فالمراد بالأوّل أوّل الأمرَين الباقيَـيْن اللذَين احتِيج إلى الاحتراز عنهما, وأمّا الأوّل المقابل للثاني الذي هو تمييز الفصيح عن غيره[3] فإنّما هو الاحتراز عن الخطأ لا نفس الخطأ (وما يحترز به عن التعقيد المعنويّ علم البيان) فظهر أنّ علم البلاغة[4] منحصر في علمي المعاني والبيان وإنْ كانت البلاغة ترجع إلى غيرهما من العلوم أيضاً, وعليك بالتأمّل في هذا المقام فإنّه من مَزالّ الأقدام[5] ثُمّ احتاجوا لمعرفة


 



[1] قوله: [لمكان مزيد اختصاص لهما بها] المكان مصدر ميميّ بمعنى الكون والوجود, وكذا المزيد مصدر ميميّ بمعنى الزيادة أي: لوجود زيادة اختصاص لعلمي المعاني والبيان بالبلاغة؛ وذلك لأنّ وضعهما خاصّة لإتمام أمر البلاغة بخلاف غيرهما فسمّوهما علمَ البلاغة دون غيرهما, فهذا دفع لتوهّم أنه لا يتمّ أمر البلاغة إلاّ بعلم متن اللغة والتصريف والنحو والمعاني والبيان مع سلامة الذوق فلما خصّ علما المعاني والبيان بتسميتهما بعلم البلاغة, وقد عرفت حاصل الدفع.

[2] قوله: [يعني الخطأ في التأدية] دفع لما يرد على عبارة المتن من أنّ الأوّل هو الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد فيصير معنى قوله وما يحترز به عن الأوّل علم المعاني أنّ ما يحترز به عن الاحتراز عن الخطأ في التأدية علم المعاني وهذا كما ترى! وحاصل الدفع أنّ المراد بالأوّل هنا أوّل الأمرين الباقيين احتيج إلى الاحتراز عنهما وهما الخطأُ في التأدية والتعقيدُ المعنويّ وأوّلهما هو الخطأ في التأدية. قوله فالمراد بالأوّل إلخ تفريع على التفسير المذكور.

[3] قوله: [الذي هو تمييز الفصيح عن غيره] صفة للثاني. قوله فإنّما هو الاحتراز عن الخطأ جواب أمّا أي: فإنّما ذلك الأوّل هو الاحتراز عن الخطأ لا نفس الخطأ أي: فليس المراد هذا الأوّلَ.

[4] قوله: [فظهر أنّ علم البلاغة إلخ] وذلك لأنّ المراد بعلم البلاغة علم له مزيد اختصاص بالبلاغة وظاهر أنه هو المعاني والبيان لأنّ وضعهما خاصّة لإتمام أمر البلاغة, ولأنّ بعد رعاية هذين الفنّين لا يبقى لحصول البلاغة حالة منتظرَة بل هي تتحقّق عندها بخلاف غيرهما ممّا ترجع إليه البلاغة.

[5] قوله: [فإنه من مَزالّ الأقدام] تعليل للأمر بالتأمّل أي: لأنّ هذا المقام ممّا زلّت فيه أقدام الناظرين

    ووقع الغلط من وجوه أمّا أوّلاً فلأنه قد فُسِّر مرجع البلاغة بالعلّة الغائيّة للبلاغة وقد عرفتَ فسادَه, وأمّا ثانياً فلأنه لم يُعرَف معنى قوله يُبيَّن في علم متن اللغة واعتُرِض عليه ما اعتُرِض وقد عرفتَ معناه وكيفيّةَ دفع الاعتراض عنه, وأمّا ثالثاً فلأنه قد أرجِع الضمير في قوله وهو ما عدا التعقيد المعنويّ إلى ما يدرَك بالحسّ وقد عرفتَ ما هو صحيح فيه, وأمّا رابعاً فلأنه حُمِل الأوّل في قوله وما يحترز به عن الأوّل علم المعاني على الأوّل المقابل للثاني الذي هو تمييز الفصيح عن غيره وقد عرفتَ حاله.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

400