وقبل الشروع في مقاصد العلم[1] أشار إلى تعريفه وضبط أبوابه إجمالاً ليكون للطالب زيادة بصيرة[2] ولأنّ كلّ علم[3] فهي مسائل[4] كثيرة تضبطها جهةُ وحدةٍ باعتبارها تُعَدّ علماً واحداً تُفرَد بالتدوين ومن حاول تحصيل مسائل كثيرة تضبطها جهة واحدة فعليه أن يعرفها بتلك الجهة لئلاّ يفوته ما يعنيه[5] ولا يضيع وقته فيما لا يعنيه فقال (وهو علم) أي:
[1] قوله: [وقبل الشروع في مقاصد العلم] الظرف متعلِّق بقوله الآتي: أشار إلى تعريفه, إن قيل الإشارة عبارة عن البيان التبعيّ والتعريفُ وضبطُ الأبواب مبيَّن بالبيان القصديّ فينبغي أن يقول صرّح بتعريفه, قيل في لفظ الإشارة إشارة إلى أنّ الإشارة لا تختصّ بالبيان التبعيّ بل تعمّ البيان القصديّ والتبعيّ, ثمّ غرض الشارح من هذا الكلام دفع ما يرد على الماتن من أنّ المقصود مسائل الفنّ فالاشتغال بتعريفه وضبط أبوابه اشتغال بما لا يعني, فدفعه بوجهين الأوّل بالنظر إلى نفس الشروع والثاني بالنظر إلى غايته.
[2] قوله: [ليكون للطالب زيادة بصيرة] تعليل للإشارة إلى تعريف العلم قبل الشروع في المقاصد دفعاً للإيراد المذكور, وإنّما قال زيادة بصيرة لأنّ أصل البصيرة حاصل له بالتصوّر بوجه مّا قبل التعريف, أو المراد أنه يحصل له أصل البصيرة بالتعريف وزيادتها بضبط الأبواب.
[3] قوله: [ولأنّ كلّ علم إلخ] تعليل ثان للإشارة المذكورة دفعاً للإيراد المذكور, وهذا بطريق القياس الاقترانيّ, فقوله لأنّ كلّ علم إلخ إشارة إلى الصغرى, وقوله ومن حاول إلخ إشارة إلى الكبرى, وحاصله أنّ مُحاوِل علم المعاني مُحاوِل مسائل كثيرة تضبطها جهةُ وحدةٍ وكلّ مُحاوِل مسائل كثيرة تضبطها جهةُ وحدةٍ فعليه أن يعرفها بتلك الجهة فمُحاوِل علم المعاني عليه أن يعرفه بتلك الجهة, دليل الصغرى ظاهر لأنّ علم المعاني عبارة عن المسائل الكثيرة, وبيّن دليل الكبرى بقوله لئلاّ يفوته إلخ.
[4] قوله: [فهي مسائل] قد يدخل الفاء على خبر كلّ وإن كان مضافاً إلى غير موصوف نحو كلّ رجل فله درهم. قوله جهةُ وحدة أي: جهة هي سبب وحدة العلم وهي الجهة المساوية للمسائل التي تبيَّن في تعريف العلم ككون المسائل متعلِّقة بأحوال اللفظ التي يطابق بها مقتضى الحال في مسائل علم المعاني. قوله باعتبارها إلخ أي: باعتبار تلك الجهة يصحّ عدُّ المسائل علماً واحداً وإفرادُها بالتدوين.
[5] قوله: [لئلاّ يفوته ما يعنيه إلخ] هذا دليل الكبرى, وبيانه أنّ مُحاوِل تحصيل كثرة تضبطها جهة وحدة لو لم يعرف الكثرة بتلك الجهة فإمّا أن لا يعرفها أصلاً فلا يمكن طلبها والكلام فيمن حاول تحصيلها, أو يعرفها لا بجهة الوحدة بل بجهة الكثرة فلا بدّ من معرفة كلّ واحد من تلك الكثرة بوجه مّا قبل الشروع في تحصيله فيضيع وقته في معرفة تلك الوجوه ويفوت عنه تحصيل تلك الكثرة, أو يعرفها لا بجهة مساوية بل بجهة أعمّ فيجوز أن يقع بها الاندفاع إلى فرد آخر من ذلك الأعمّ فحينئذ يضيع وقته فيما لا يعنيه وهو الفرد الآخر ويفوت عنه ما يعنيه وهو الأخصّ, أو يعرفها بجهة أخصّ فيفوت عنه بعض ما يعنيه وهو البعض الآخر من الأعمّ الذي لا توجد فيه جهة الأخص.