ملَكة يقتدر بها[1] على إدراكاتٍ جزئيّةٍ ويقال لها الصِناعة أيضاً, بيان ذلك[2] أنّ واضع هذا الفنّ مثلاً وضع عدّة أصول مستنبَطة من تراكيب البلغاء تحصل من إدراكها ومُمارَستها قوّة بها يتمكّن[3] من استحضارِها والالتفاتِ إليها وتفصيلِها متى أريد وهي العلم,
[1] قوله: [أي: ملَكة يقتدر بها إلخ] اعلم أنّ العلم يطلق على ثلاثة معان: الأوّل الملَكة أي: الكيفيّة الراسخة في النفس, والثاني المسائل, والثالث التصديق بالمسائل, والشارح يشير إلى أنّ المراد بالعلم هنا إمّا الملَكة أو المسائل لا التصديق بالمسائل, وإنّما قدّم الاحتمال الأوّل لأنه المتبادر في العرف من إطلاق العلم, ثمّ على تقدير تفسير العلم بالملَكة لا بدّ من ارتكاب الاستخدام في قوله وينحصر في ثمانية أبواب أي: يرجع الضمير إلى العلم بمعنى المسائل ضرورة أنه لا معنى لحصر العلم بمعنى الملَكة في الأبواب بل المحصور فيها هو المسائل, والمراد بالإدراكات الجزئيّة الإدراكات المتعلِّقة بالفروع المستخرَجة عن المسائل بتلك الملَكة. قوله ويقال لها الصناعة أيضاً أي: فالملَكة والصناعة بمعنى واحد.
[2] قوله: [بيان ذلك إلخ] أي: بيان إطلاق العلم على الملَكة التي يقتدر بها على إدراكات جزئيّة إلخ. قوله مستنبَطة إلخ اعلم أنّ مراتب النفس في حصول المطالب أربع: الأولى العقل الهيّولانيّ وهو الاستعداد المحض لإدراك المعقولات كما للأطفال, والثانية العقل بالملَكة وهو العلمُ بالضروريّات واستعدادُ النفس بذلك لاكتساب النظريّات منها, والثالثة العقل بالفعل وهو ملَكة استنباط النظريّات من الضروريّات, والرابعة العقل المستفاد وهو أن تحضر عنده النظريّات التي أدركها بحيث لا تغيب عنه, ففي حال الاستنباط يكون في مرتبة العقل بالملَكة وله التمكّن على الاستحصال فإذا مارس المسائل المستنبَطة والتفت إليها مرّة بعد أخرى تمكّن من استحضارها متى شاء وحصلت له مرتبة العقل بالفعل ويصير عالماً بعلم المعاني.
[3] قوله: [بها يتمكّن إلخ] إشارة إلى أنّ المعتبر في العلم بمعنى الملَكة هو ملَكةُ الاستحضار الحاصلةُ بعد تكرّر المشاهدة. قوله وتفصيلِها أي: والعلمِ بها مفصَّلة, كما يدلّ عليه قوله فهي مبدأ لتفاصيل مسائله. قوله وهي العلم أي: وتلك القوّة المعبَّر عنها بالملَكة هي العلم.