أن يُورِد التركيب في مَورِده وفيما هو له, وهذا بعينه معنى تطبيق الكلام لمقتضى الحال, فمعنى توفية[1] خواصّ التراكيب حقَّها أن يُورِد كلَّ كلام موافِقاً لمقتضَى الحال, فالمراد بالتراكيب[2] في تعريف البلاغة تراكيب ذلك المتكلّم كما يُفصِح[3] عن ذلك قوله: في تأدية المعاني وكذا قوله: وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها إذ لا معنى له[4] إلاّ أن يكون ذلك المتكلّم بحيث يُورِد كلَّ تشبيهٍ ومجازٍ وكنايةٍ كما ينبغي وعلى ما هو حقّه[5] وليس المعنى على أنه يُورِد تشبيهاتِ البلغاء ومجازاتِهم على وجهها,
[1] قوله: [فمعنى توفية إلخ] تفريع على العينيّة بين توفيةِ خواصّ التراكيب حقَّها وتطبيقِ الكلام لمقتضى الحال.
[2] قوله: [فالمراد بالتراكيب إلخ] هذا هو أصل الجواب عن الوجه الثاني, وما قبله من قوله لا يُفهَم إلخ كان تمهيداً للجواب, وقد سبق توضيح هذا الجواب وتفصيله, ويرد عليه أنّ لفظ خواصّ في قوله بتوفية خواصّ التراكيب حقَّها معرَّف بالإضافة والتعريف بالإضافة يكون للعهد ولم يعرف لتراكيب المتكلِّم خواصّ حتّى يضاف إليها فلا يصحّ أن يراد بالتراكيب تراكيب المتكلِّم, وجوابه أنّ الأصل في التعريف بالإضافة وإن كان هو العهد لكنه يستعمل على خلاف الأصل كثيراً شائعاً.
[3] قوله: [كما يُفصِح إلخ] أي: كما يُظهِر هذا المرادَ قولُه في تأدية المعاني وذلك لأنه ظاهر أنّ المتكلِّم إنّما يؤدِّي معاني نفسه وهو إنّما يؤدِّيها بتراكيب نفسه إذ لا معنى لتأديتها بتراكيب الغير فالمراد بالتراكيب تراكيب نفسه لا غير, وهذا إشارة إلى القرينة السابقة الدالّة على المراد. قوله وكذا قوله إلخ أي: وكذا يُفصِح عن ذلك قوله إلخ, وهذا إشارة إلى القرينة اللاحقة الدالّة على المراد.
[4] قوله: [إذ لا معنى له إلخ] أي: إذ لا معنى لهذا الإيراد إلخ, وهذا تعليل لإفصاح هذا القول عن المراد. قوله إلاّ أن يكون ذلك المتكلِّم بحيث يُورِد إلخ زاد الحيثيّة إشارة إلى أنّ المعتبر هو الاقتدار على الإيراد لا الإيراد بالفعل. قوله كلَّ تشبيه لم يقل كلَّ نوع إشارة إلى أنّ لفظ الأنواع في عبارة السكّاكي للإشارة إلى أنّ المعتبر إيراد أشخاص جميع الأنواع لا إيراد أشخاص نوع دون نوع.
[5] قوله: [وعلى ما هو حقّه] عطف تفسير لقوله كما ينبغي. قوله وليس المعنى على أنه يُورِد تشبيهات البلغاء إلخ يرد عليه أنه لا فساد في هذا المعنى لأنه يكون معنى العبارة حينئذ: وإيراد مثل تشبيهات البلغاء ومجازاتهم وكناياتهم كما يقال فعلتُ ما فعلتَ وقلتُ ما قلتَ فإنّ معناه: فعلتُ مثل ما فعلتَ وقلتُ مثل ما قلتَ فلا يشتبه المراد, وجوابه أنّ الشارح بصدد دفع اعتراض المصـ على السكّاكيّ فيكفي له إثبات تبادر تراكيب ذلك المتكلِّم من التراكيب المذكورة في التعريف, ولا حاجة إلى أن ينفي انفهام غيرها مطلقاً, وأمّا قوله لا يُفهَم من قوله إلخ فمبنيّ على المبالغة في مقام المحاورة, والمناقشةُ في العبارة بعد وضوح المقصود ليس من دأب المحصِّلين.