وعن الثاني[1] بعد تسليم دلالة كلام السكّاكي على أنه فسّر التراكيب بتراكيب البلغاء بأنّ المراد بها تراكيب البلغاءِ الموصوفين بالبلاغة[2] ومعرفتهم لا تتوقّف على معرفة البلاغة بالمعنى المذكور إذ يجوز أن يُعرَف بحسَب عرف الناس أنّ امرء القيس مثلاً بليغ فيتتبّع خواصّ تراكيبه من غير أن يتصوّر المعنى المذكور للبلاغة كما يُمكِن لكلّ أحد من العوامّ أن يعرف فقهاء البلد فيتتبّع أقوالهم من غير أن يعرف أنّ الفقه علمٌ بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة مكتسَبٌ من أدلّتها التفصيليّة وهو ظاهر, وأقول[3] لا يفهم من قوله: بتوفية خواصّ التراكيب
[1] قوله: [وعن الثاني إلخ] أي: وأجيب من جانب السكّاكي عن الوجه الثاني إلخ. قوله بعد تسليم إلخ إشارة إلى جواب على تقدير عدم التسليم بأنا لا نسلِّم أنه فسّر التراكيب بتراكيب البلغاء بل إنه فسّرها بتراكيبِ مَن له فضل تمييزٍ ومعرفةٍ وقوله وهي تراكيب البلغاء جملة مستأنفة لتعيين تلك التراكيب, ولكن لمّا كان البيان عين المُبيَّن فيؤل إلى التفسير المذكور اضطرّ إلى الجواب على تقدير التسليم.
[2] قوله: [الموصوفين بالبلاغة] أي: بالبلاغة الإجماليّة العرفيّة لا التفصيليّة الاصطلاحيّة. قوله بالمعنى المذكور وهو بلوغ المتكلِّم إلخ. قوله إذ يجوز إلخ تعليل للنفي في قوله لا تتوقّف إلخ.
[3] قوله: [وأقول إلخ] أي: وأقول في الجواب من جانب السكّاكيّ باختيار الشقّ الثاني من الترديد وهو أنّ المراد بالتراكيب في تعريف علم المعاني غير تراكيب البلغاء وهي تراكيب المتكلِّمِ نفسِه, وأمّا ترك البيان فإنّما يكون باطلاً إذا استلزم الجهالةَ بأن لم يكن الكلام دالاّ على المراد وكان محتملاً لغير المراد ولا يُفهَم فيما نحن فيه إلاّ ما هو المراد إذ لا يُفهَم من قوله بتوفية خواصّ التراكيب حقَّها بعد النظر والتأمّل في الكلامِ والقرينةِ السابقة واللاحقة والخارجيّة إلاّ أن يُورد المتكلِّم كلَّ تركيب له في المقام الذي يناسب بذلك التركيب, فالمراد بالتراكيب تراكيب ذلك المتكلِّم, أمّا القرينة السابقة فهي قوله تأدية المعاني وأمّا القرينة اللاحقة فهي قوله إيراد أنواع التشبيه إلخ فإنهما فِعلا ذلك المتكلِّمِ فالتراكيب أيضاً تراكيبه كما لا يخفى على من له ذوق سليم, وأمّا القرينة الخارجيّة فهي العلم بأنّ البلاغة إنّما هي القدرة على تأليف الكلام في تأدية المعاني على ما ينبغي.