المتكلِّم في تأدية المعاني حدًّا له اختصاصٌ بتوفيةِ خواصّ التراكيب حقَّها[1] وإيرادِ أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها , فإن أراد بالتراكيب في تعريف البلاغة تراكيب البلغاء وهو الظاهر فقد جاء الدور, وإن أراد غيرها فلم يبيِّنه, وأجيب عن الأوّل[2] بأنه أراد بالتتبُّع المعرِفةَ كما صرَّح به في كتابه إطلاقاً للملزوم على اللازم[3] تنبيهاً على أنه معرفة حاصلة من تتبّع تراكيب البلغاء حتّى أنّ معرفة العرَب ذلك بحسَب السليقة لا يُسمَّى علمَ المعاني, وتعريفات الأُدَباء مشحونة بالمجاز[4]
[1] قوله: [بتوفية خواصّ التراكيب حقَّها] يقال: وَفَى فلاناً حقَّه أي: أعطاه وافياً وتامًّا, أي: يكون المتكلِّم بحيث يُورِد كلَّ تركيب له في المَورِدِ الذي يليق به وفي المقامِ الذي يناسبه, كما سيجيء من الشارح. قوله وإيرادِ إلخ عطف على قوله توفيةِ إلخ أي: ويكون المتكلِّم بحيث يُورِد كلَّ تشبيه ومجاز وكناية كما ينبغي وعلى ما هو حقّه كما سيجيء في الشرح.
[2] قوله: [وأجيب عن الأوّل إلخ] أي: أجيب من جانب السكّاكي عن الوجه الأوّل إلخ. قوله أراد بالتتبُّع المعرِفةَ وهو العلمُ بالمسائل المترتِّبُ على تتبّع الخواصّ الجزئيّة لأنّ الاحتراز عن الخطأ في التطبيق إنّما يترتّب على العلم بالمسائل لا على المعرفة الجزئيّة. قوله كما صرَّح به في كتابه حيث قال في آخر القسم الثالث: وإذ قد تحقّقتَ أنّ علم المعاني والبيان معرفة خواصّ تراكيب الكلام إلخ, وفيه إشارة إلى أنّ تفسيرنا التتبّعَ الواقعَ في كلامه بالمعرفة ليس من قبيل توجيه القول بما لا يرضى به القائل.
[3] قوله: [إطلاقاً للملزوم على اللازم] لمّا كان التتبّع بمعنى المعرفة مجازاً أشار إلى علاقة المجاز بينهما بقوله إطلاقاً إلخ أي: أطلق التتبّع على المعرفة إطلاقاً للملزوم وهو التتبّع على اللازم وهو المعرفة, فهو من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم, والأظهر أنه من قبيل ذكر السبب وإرادة المسبَّب. قوله تنبيهاً على أنه إلخ أي: تنبيهاً على أنّ علمَ المعاني إلخ, وهذا إشارة إلى فائدة التكلّم بالمجاز هنا مع أنّ الأصل هو الحقيقة. قوله لا يُسمَّى ضميره يرجع إلى المعرفة لأنها بمعنى العلم.
[4] قوله: [وتعريفات الأُدَباء مشحونة بالمجاز] دفع لما يرد من أنّ إيراد المجازات في التعريفات مُخِلّ بغرض التعريف وهو إيضاح المعرَّف, وحاصل الدفع أنّ الأدَباء لا يتحاشون عن وقوع المجازات في التعريفات إذا وجدت القرينةُ المانعةُ عن إرادة الحقيقة والمُعيِّنةُ للمراد وهي ههنا امتناعُ كون التتبّع علماً, وتفسيرُ السكّاكيّ علمَ المعاني بالمعرفة في موضع آخر كما مرّ نقله.