لأنّ جميع ما ذكر من القصر والفصل[1] والوصل والإيجاز ومقابلَيه إنّما هي من أحوال الجملةِ أو المسندِ إليه أو المسندِ فالذي يهمّه أن يُبيِّن سببَ إفرادِ هذه الأحوال[2] عمّا سبق وجعلِ كلٍّ منها باباً برأسه, وإلاّ فنقول[3]: كلّ من المسند إليه والمسند مقدَّم أو مؤخَّر معرَّف أو منكَّر إلى غير ذلك من الأحوال فلِم لَم يُجعَل كلّ من هذه الأحوال باباً على حِدةٍ, ومن رام[4] تقريرَ هذا بالترديد بين النفي والإثبات ففساد كلامه أكثر وأظهر[5]
[1] قوله: [من القصر والفصل إلخ] بيان لـما. قوله ومقابلَيه وهما الإطناب والمساواة. قوله إنّما هي من أحوال الجملة كالفصل والوصل. قوله أو المسندِ إليه أو المسندِ كالقصر, أمّا الإيجاز ومقابلاه فإنّها إذا تعلّقت بجملة فمن أحوال الجملة وإذا تعلّقت بمفرد فمن أحوال المسند إليه أو المسند. قوله فالذي يهمّه أن يُبيِّن سببَ إلخ وذلك لئلاّ يرد عليه أنه كما أنّ القصر والفصل والوصل والإيجاز ومقابلَيه أحوال كذلك التقديم والتأخير والتعريف والتنكير وغير ذلك أيضاً أحوال فلِما جُعِل كلٌّ من تلك الأحوال باباً برأسه ولم يُجعَل كلٌّ من هذه الأحوال باباً برأسه فهذا ترجيح بلا مُرجِّح.
[2] قوله: [هذه الأحوال] أي: القصر والفصل والوصل والإيجاز ومقابلَيه. قوله عمّا سبق أي: عن الأبواب الخمسة السابقة الراجعة أيضاً إلى الجملة أو المسند إليه أو المسند. قوله وجعلِ كلٍّ منها باباً برأسه عطف تفسير لقوله إفرادِ هذه الأحوال عمّا سبق.
[3] قوله: [وإلاّ فنقول إلخ] أي: وإن لم يُبيِّن سببَ إفراد هذه الأحوال وجعل كلٍّ منها باباً برأسه مع أنها أيضاً من أحوال الجملة أو المسند إليه أو المسند فنقول إلخ.
[4] قوله: [ومن رام إلخ] أي: ومن قصد تقريرَ حصر المعاني في الأبواب الثمانية بالترديد بين النفي والإثبات بأن يقال مثلاً الأحوال المبحوث عنها إمّا مختصّة بالإنشاء أو لا, الأوّل الإنشاء والثاني إمّا أن يكون من تخصيص شيء بشيء بالطريق المعهود أو لا, الأوّل القصر والثاني إمّا أن يصحّ تعلّقه بالكلام كلاًّ وجزءً أو لا, الأوّل الإيجاز ومقابلاه والثاني إمّا أن يتعلّق بجملة من حيث هي أو لا, الأوّل الفصل والوصل والثاني إمّا أن يكون أحوال نفس الإسناد أو لا, الأوّل أحوال الإسناد الخبريّ والثاني إمّا أن يتعلَّق بالمسند إليه أو لا, الأوّل أحوال المسند إليه والثاني إمّا أن يتعلّق بالمسند أو لا, الأوّل أحوال المسند والثاني أحوال متعلَّقات الفعل.
[5] قوله: [ففساد كلامه أكثر وأظهر] وذلك لأنّ ذلك التقرير مع اشتماله على ما ذكره المصـ يشتمل على ترديد لا طائل تحته إذ حصر المعاني في الأبواب الثمانية ليس حصراً عقليًّا بأن لا يُجوِّز العقل باباً تاسعاً ولا استقرائيًّا بأن يكون المقصود بالترديد هو الضبط وتقليل الانتشار وإن كان العقل مُجوِّزاً لباب آخر, بل الحصر جعليّ مداره على إبداء المناسَبة المُقتضِية لذلك الجَعل.